Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/01/2009 G Issue 13247
الأحد 07 محرم 1430   العدد  13247
استئناس (السيما)..؟!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

أثبت عرض فيلم (مناحي) -الذي أخذ وقته كاملاً في محافظة جدة، وبعضاً من وقته في محافظة الطائف قبل إيقافه بفعل فاعل- أثبت عرض الفيلم وليس الفيلم بطبيعة الحال، أن شريحة كبيرة من السعوديين متعطشون إلى (عودة) دُور وصالات السينما إلى مدنهم كما كانت من قبل.

إن تدافع ثلاثين ألفاً من المشاهدين على شباك التذاكر في جدة والطائف، يؤكد هذه الرغبة، ويعزز هذا التوجه، من أجل جماعية المشاهدة، وليس العمل السينمائي وحده، لأن السينما.. التي تعني الأعمال الفنية والأفلام والفن السابع، كما هو معروف في صناعة السينما، أمر متاح في الأوساط السعودية للكبار والصغار، عبر شرائط الفيديو، وقنوات التلفزة، ومواقع الشبكة الإلكترونية، ونحن ندرك أن ما يعرض في الخفاء بعيداً عن الأنظار، لا يخلو من ممنوع ومحظور، ولكن نحن أنفسنا الذين ندفع أبناءنا وبناتنا إلى عروض الغرف المغلقة، بغباء لا نظير له على وجه الأرض.

حقيقة.. لم أر فيلم مناحي، ولست ممن يقول بأن السينما في حد ذاتها خير بكلها، أو شر بكلها. الخير موجود والشر موجود، حتى في برنامج دعوي ينطلق من منطلقات دينية، لكنه في النهاية، يكفر وينفر، ويحرض على الفتنة.. والفتنة أشد من القتل. لكني إزاء ذلك أقول: إن العرض المفتوح أمام الأعين في دار سينما، محكومة بزمان ومكان محددين، وهي بين أيدي المجتمع، وتخضع لرقابته وتوجيهه. هذا أمر لا شر فيه، بل هو خير كله، وخير لنا أن يلتقي شبابنا في أمكنة مفتوحة تحت الأضواء الكاشفة، لمشاهدة أعمال فنية درامية أو كوميدية أو علمية أو غيرها، من أن يلتقوا في أمكنة منزوية، لا يعلم إلا الله ما يدور فيها. وخير لنا أن نوفر لملايين العمالة الأجنبية بيننا، دور سينما في الهواء الطلق، يلتقون فيها ليتواصلوا مع ثقافات بلادهم، وحضارات مجتمعاتهم، ويدفعوا لنا بعض أموالنا التي هي في جيوبهم، ويشغلوا أوقات فراغهم فيها، عن قضائها في التسكع في الطرقات، والبحلقة في أبواب الدور ونوافذها صباح مساء..

أعتقد أنه قد جاء الوقت المناسب، الذي نعود فيه إلى استئناس السينما -أو (السيما) كما تسميها الدارجة المصرية- نستأنس هذه الصنعة الثقافية الحضارية من جديد، بعد أن قابلناها بتوحش ونفور، وقد كانت بيننا جليسة أنيسة مزدهرة، حتى ظهور الخطاب الدعوي الصحوي المؤدلِج في نهاية السبعينيات الميلادية، الذي نجح في اختطاف الفرح من صدور الناس، واختطاف المؤسسات الثقافية، وفرض وصايته على ثقافة المجتمع كما يريد، حتى أضحى التوحش من كل جديد، هو بديل التنوير والتطوير في حياتنا العامة. إن المجتمع السعودي، هو المجتمع الوحيد في هذا العالم، الذي دخل الألفية الثالثة، وهو يتوحش من مستجدات ومعطيات حضارية كثيرة، فهو لا يعرف دور السينما، ولا يسمح للمرأة بممارسة حقها في قيادة السيارة، ولا بالبيع في المتاجر، فلم يبق إلا أن نسمل أعيننا حتى لا نرى الأعمال الفنية في السينما، ونصم آذاننا حتى لا نسمع الموسيقى، ونغلق أبواب الدور، حتى لا تخرج المرأة لتسوق سيارة، أو تتاجر في ملابس تخص بنات جنسها..!

لقد كنا مع التوحش على أكثر من موعد، فقد توحشنا بداية من البرقيات والسيكل والراديو، وتوحشنا من القناصل وخبراء النفط، ثم توحشنا من تعليم البنات والتلفزيون والدش.. وهكذا دواليك، في سبحة طويلة غريبة عجيبة، لا تسقط منها حبة، حتى تنبت حبات غيرها.

كانت السينما، وكانت دور عرضها، كانت موجودة في كافة المدن السعودية، كانت موجودة في مدن المنطقة الشرقية، وفي مدن الشمال، حتى مدينة رفحة في تلك الفترة، وهي مدينة طرفية على الحدود. شهدت هذه الصناعة مع مرور خط التابلاين النفطي.

كانت السينما موجودة في العاصمة الرياض، وكانت موجودة في مكة المكرمة. سينما البلجون في مكة وغيرها، مما كان يعرض في الأحواش وفي أماكن كثيرة في أم القرى، فلم يستنكر أحد ذلك في تلك الفترة. هل من سبقنا في تلك الفترة، كان فاسقاً، أو أقل علماً وتديناً منا..؟!

وكانت السينما موجودة في المدينة المنورة، بل إن العروض السينمائية في مدينة الرسول - صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه- كانت تتم في قصور الأفراح في المناسبات وفي أوقات الظهيرة. وكانت في جدة عشرات من دور العرض للأفلام العربية والأجنبية.

كانت السينما في الطائف المصيف، فقد بدأ العرض السينمائي فيها في دور لهذا الغرض منذ العام 1369هـ، وظل كذلك طيلة ثلاثة عقود، حتى العام 1396هـ. ومما بقي في ذاكرتي وذاكرة زميلي في الدراسة الأستاذ عيسى القصير، أورد أسماء هذه الدور ومقارها، وهي بعض مما شهدته الطائف في زمنها الجميل. وهذه المعلومات، معروفة مشهورة، خاصة عند أولئك الذين عرفوا الطائف في تلك الفترة الذهبية من حياتها، قبل أن تدخل مع غيرها من المدن السعودية كبيرة وصغيرة، في النفق الظلامي المتدثر بلبوس الدين، فمن الدور السينمائية التي كانت بالطائف:

1- سينما دار الضباط بالجيش، ومقرها مبنى القشلة العسكرية قديماً بالعزيزية.

2- سينما البعثة البريطانية للتدريب، ومقرها مخيم البعثة في موقع حديقة الملك فهد حالياً.

3- سينما عثمان السوداني بحي السلامة.

4- سينما أبو راس بحي اليمانية (الحفر).

5- سينما الشّشة بحي الشرقية.

6- سينما ابن مرعي القحطاني بحي الشرقية.

7- سينما أحمد بن حمدي بحي الشرقية..

8- سينما الجمجوم، في مسبح عكاظ قديماً.

9- سينما ابن جماح بالعزيزية.

10- سينما مدارس الجيش في قروى.

11- سينما نادي عكاظ بالشرقية.

12- سينما الشهري بالشرقية.

13- سينما أبو الروس بالردف.

14- سينما البلجون بشارع عكاظ بالشرقية. يضاف إلى ما تقدم، عروض سينمائية كانت تتولاها شركة أرامكو في ساحات وباحات الطائف، فتعرض أفلام الملك عبد العزيز -رحمه الله- وهو يفتتح بعض المشروعات النفطية، وبعض آبار النفط الجديدة في الشرقية، وعروض أخرى للنخبة في بساتينهم وفي قصورهم ودورهم الخاصة، وسينما متحركة حسب الطلب، حيث كانت تعرض أفلام عربية وأجنبية في مناسبات الأفراح ولقاء إخوان الصفا، في أماسي الطائف التي كانت بهيجة مبهجة.

لماذا نتوحش من السينما إذن..؟!

دعونا نستأنس (السيما) من جديد.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد