Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/01/2009 G Issue 13247
الأحد 07 محرم 1430   العدد  13247
التخلف الفضائي... والجناية على الموروث التراثي !!
سرحان مبارك مجري الموينع

 

ظهر في عصر العولمة وعصر الإنترنت والعلم والتقدم الحضاري الذي تزخر به بلادنا بفضل الله ثم بفضل ولاة الأمر، فئة من الناس تسير بهم جاهليتهم إلى الخلف، إلى التخلف إلى تلك القرون التي كانت تعيشها الجزيرة العربية من الجهل الذي طغى على عقول الناس، فأصبحوا قبائل متناحرة ناسين أو متناسين قوله الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وهو الذي بيّن لنا أنه جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف لا لنتناحر ونتفاخر فيما بيننا مستحلين بذلك دماء إخواننا المسلمين وأموالهم بغير حق، متجاهلين قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، متفاخرين بأمجادهم من قتل وسلب، وها نحن اليوم بعد أن عم الرخاء والأمن والأمان الذي تنعم به بلادنا منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز طيب الله ثراه نسمع بعض المنادين بالرجوع لتلك الفترة المظلمة من تاريخ الجزيرة العربية عبر وسائل الإعلام المرئي منها والمقروء والمسموع كذلك، فلقد ظهرت قبل بضع سنين على صفحات الإنترنت الذي لم يُكتَشف لمثل هذه الأساطير، مواقع تدعي أنها تُعنى بالموروث الشعبي وتوثيقه والتعارف بين أعضائها حتى تطورت، وأصبح بعد ذلك مواقع تختص لكل قبيلة على حدة، نقرأ فيها من الافتخار والتمجيد لتلك القبيلة، وكل هذا على حساب قبيلة أخرى .. فلقد قرأت كثيراً في تلك الموقع وتتبعت الردود على تلك المواضيع، فوجدت ما فيها من التضليل والمغالطات ما يندى له الجبين، وأكثر الكتّاب يكتبون بأسماء مستعارة .. قال عز وجل (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)، وبعد استخدامنا أحسن استخدام لهذه الخدمة التي هي الإنترنت، ظهرت القنوات الفضائية، وما نراه على شاشاتها لا يحتاج لشرح فهو أمام المشاهدين صباح مساء، وما يكتب في شريطها من المفاخرات الجاهلية والمناداة بالعصبية القبلية يفهم المشاهد له ما تخفيه صدور أولئك الرجعيين لتلك القرون، وقد عرّف ابن خلدون العصبية بأنها (النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم، أو تصيبهم هلكة، ومن هذا الباب الولاء والحلف؛ إذ نعرة كل أحدٍ على أهل ولائه وحلفه، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء مثل لحمة النسب، أو قريباً منها) .. وعرّفها كذلك الأزهري: (والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم، على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين)، وما كان في مهرجانات مزايين الإبل للقبائل في السنوات الماضية، خير دليل على تماسكنا ووحدتنا كقبيلة ضد قبيلة ومنطقة ضد منطقة، وكأن القبيلة دولة لها استقلاليتها، وكأننا لم نسمع ولم نقرأ قوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103)، وما رأيناه في بعض تلك المهرجانات من كفر بالنعمة وإسراف فاق الخيال جاحدين النعمة التي استخلفنا الله عليها، حتى تفرق أبناء الرجل الواحد، كل يريد البروز بحثاً عن الإعلام بوسائله التي تعيش على جيوب هؤلاء، والبحث عن الزعامة القبلية التي كادت أن تكون هاجس كل شخص من هؤلاء، فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنْت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فأت الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك) متفق عليه .. فإن الإمارة أو المشيخة وغيرها من الولايات على الخلق، لا ينبغي للعبد أن يسألها، ويتعرض لها، بل يسأل الله العافية والسلامة، فإنه لا يدري، هل تكون الولاية خيراً له أو شراً؟ ولا يدري، هل يستطيع القيام بها، أم لا؟ فإذا سألها وحرص عليها، وُكل إلى نفسه. ومتى وُكل العبد إلى نفسه لم يوفق، ولم يسدد في أموره، ولم يُعن عليها؛ وفيما بعد ظهرت آثار تلك الوسائل الإعلامية السابق ذكرها على واجهات وخلفيات السيارات في المدن والقرى وهي أرقام ولكل قبيلة رقم يخصها يتكون تقريباً من ثلاث. أرقام فقط وعندما تمر عليك تلك السيارة تعرف قائدها من أي قبيلة ينتسب من خلال الرقم الملصق على زجاج السيارة (وكأنها وسوم الإبل) ولنا في رسول أسوة حسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) تلك المكارم التي كان يتميز بها العرب قبل الإسلام، فلقد أقر الإسلام الفاضل والمحمود ونبذ المذموم والقبيح منها، فيجب علينا أن نتسابق على الصفات الكريمة ونبتعد عن كل صفة ذميمة لا يقرها الشارع الحكيم ثم لا يقرها العرف، وهو ما تعارف عليه الناس، أقول في نهاية هذه المقالة إن كل هذا ونحن في هذا العصر في أمس الحاجة للحفاظ على هذه الوحدة متمسكين بديننا الحنيف ثم بقيادتنا الرشيدة، وأنه يجب على الفرد أن يغذي عقله بما يعود عليه بالمنفعة، وعليه في هذا أن ينفق بسخاء وإن التوثيق أمانة وله شروط لا بد من فهمها حتى نعرف ما هو الهدف من التوثيق، وإن الكتابة بشكل عام محاسب عليها العبد، فلا نعلم هل ما كتبناه هو شاهد لنا أم شاهد علينا.



Ss88oo@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد