Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
العدوان الصهيوني.. وقفات صريحة!
د. عبد الله البريدي

 

ثمة من يوجّه اللوم إلى حكومة الكيان الصهيوني، ذلك الكيان الاستيطاني الإحلالي الذي تورط في العدوان الوحشي على القطاع بأهله وأرضه، ولكن ذلك ليس دقيقاً، ف (الجاني) الحقيقي هو (الثقافة الصهيونية) ذاتها، فهي التي تتحكم في (العقل الصهيوني)

وتصنع له رؤيته الكلية ومنظومته القيمية وطرائق تفكيره وسلّم أولوياته... وهذه النتيجة لها دلالات كثيرة وخطيرة أيضاً، كما أنه يترتب عليها استحقاقات كبيرة ومكلفة في الوقت نفسه، ولكن لا يسعنا في هذا السياق بسطها أو التعاطي مع شيء منها...

العدوان الوحشي على كل ما هو إنساني وحضاري في قطاع غزة والذي دشّنه الكيان الصهيوني في (سبتهم المقدّس)، بل في آخر سبت صهيوني مشئوم من العام 2008م، هذا العدوان الهمجي يدفعنا إلى أن نكون على مستوى الحدث، أخلاقياً وسياسياً وتاريخياً، مع الإشارة إلى أن شجبنا ل (الشجبية) أثمر هذه المرة ... فلأول مرة تعترف الدبلوماسية العربية بأن لغة الشجب والاستنكار والإدانة ليس لها أي قيمة تُذكر في نظر شعوبها التي زاد معدل وعيها، وقد توالت تلك الاعترافات على لسان عدد من الساسة العرب الكبار، ولهذا الأمر دلالات متعددة، ومن أهمها نشوء يقظة في العقل السياسي والضمير السياسي لدى أولئك الساسة، الذين باتت الشعوب العربية تكن لهم احتراماً أكبر، وفي سياق ذلك العدوان أقف عند بعض المؤشرات الهامة؛ مع التركيز على بعض الطروحات في المشهد السعودي، فالأزمة أكبر من أن نتجاوزها من دون أن نتوفر على قدرٍ كافٍ من الصدق والشفافية، كما أن الصورة الذهنية لوطننا هي أكبر أيضاً من كل أحد!

******

لكل تيار سياسي أيديولوجية يؤمن بها كإطار فكري، هذه حقيقة لا نختلف حولها، إلا أنه من غير المقبول أن نتيح لتلك الأيديولوجية فرصاً مواتية لأن (تتغوّل) فتتجاوز حدودها الطبيعية، لتؤثر على (العقلانية السياسية) بحدودها الدنيا على أقل تقدير، ويتأكد هذا في حق جميع الأطراف السياسية ولا سيما في أوقات الأزمات وعلى الأخص للأطراف الأكثر ضعفاً أو الأكثر (حرجاً)، وعلى رأسها حركة حماس، فالبعد الأيديولوجي يقولب السياسة في مسارات محدودة تأباها التيارات الأخرى، وترى أنها ضيقة وربما جالبة لتحالفات أو تكتلات (مخيفة)، خصوصاً أن أطرافاً إقليمية تلعب على الوتر الأيديولوجي، بشكل مكشوف أو غير مكشوف... كل ذلك يؤكد حتمية النأي التام والصادق عن مثل تلك الأطر الضيقة ... نقول هذا لحماس وفتح وسائر التيارات والفصائل السياسية، ففلسطين أكبر من البعد الأيديولوجي لكل أحد!

******

اتسمت بعض الطروحات السياسية والتحليلية لبعض المثقفين السعوديين بعدم الدقة والقفز على بعض الحقائق الصلبة أو شبه الصلبة، ذلك أنها انطلقت من مقدمات غير صحيحة أو غير مكتملة، وربما أثّر فيها البعد الإيديولوجي بقدر ما، فليس صحيحاً البتة القول بأن العدوان الصهيوني حصل من جراء تدخل إيراني صرف وتوريط حماس بتلك الحرب غير المتكافئة، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء إيران في المنطقة، فالمعطيات التي شاهدناها تؤكد على أن عنجهية الصهاينة أثناء فترة (الحصار) و(الهدنة) هي من (أشعل) الفتيل... ولا سيما أننا كعرب تخاذلنا كثيراً في كسر ذلك الحصار، مع وجوب استدعاء حقيقة أن حماس قد تم انتخابها شعبياً بجانب الحيثيات التي أدت إلى تفاقم الانقسام الفلسطيني وتفجُّر الخلاف فيما بين فتح وحماس، وثمة مصادر (محايدة) كشفت عن نتائج هامة لا يسعنا تجاوزها أو التغافل عنها في دائرة تعترف بحقيقة الجانب الديمقراطي في عالمنا العربي وانعكاسات ذلك على مجرى تحليلنا، على الأقل أخلاقياً!

الإشكالية لا تكمن فقط في طروحات أولئك المثقفين والكتّاب، بل ثمة إشكاليات في بعض الطروحات (الإسلامية) أيضاً، خصوصاً أننا نعاني كثيراً من (غياب الجماعية) و(طغيان الفردية) في التعاطي مع المسائل المعقدة والأحداث الكبار، ويُضاف إلى ذلك أن البعض يعتقد بأنه مؤيد بالحق الإلهي المطلق، مما يجرئه على (صناعة فتوى) بشكل منفرد، مع حشد بعض النصوص الدينية التي (تشرعن) لقبولها من قبل الأفراد الذين يثقون بذلك الرمز الديني، والحقيقة أن العالم العربي والإسلامي يعج بفوضى عارمة في مجال الفتوى منذ فترة طويلة، خصوصاً في أوقات الأزمات، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك الفتوى الفردية الخطيرة للدكتور عوض القرني - الداعية الإسلامي السعودي-، وذهبت إلى أن: (المصالح وكل ما له صلة بإسرائيل هو هدف مشروع للمسلمين في كل مكان، وأن المسلمين يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)، مؤكداً على أنه يتحمَّل مسئولية تلك الفتوى (أمام الله تعالى)، وكل ذلك يتم بعيداً عن أطر (الاجتهاد الجماعي) التي يجب أن تحكم عملية الفتوى في مثل تلك المسائل الشائكة والقضايا الخطيرة، والتي تراعي ضوابط الإفتاء ومآلاتها ومسئولياتها الفكرية والسياسية والقانونية والتاريخية (أمام المخلوقين) أيضاً.. ومشهد آخر ذهب فيه البعض إلى التقليل من شأن المظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني، بل شن هجوماً عنيفاً على ذلك المسلك، الذي تراه بعض المجتمعات أسلوباً للتعبير عن المشاعر والمواقف في سياقات منضبطة قانونياً وأمنياً.

******

بشكل صريح ومباشر لا بد من القول بأن جميع الطروحات السابقة تحمل -بأقدار متفاوتة- آثاراً سلبية على الصورة الذهنية التي لا مبرر لها، الأمر الذي يجعلني أطالب بإعادة النظر والتأمل في بواعث مثل تلك الطروحات، ومناهجها، ومآلاتها القريبة والبعيدة.. وثمة قضية أخرى لها صلة بما سبق يتعيَّن علينا تسليط بعض الضوء حولها، فالأحداث المصاحبة للعدوان الصهيوني أثبتت أن فعالية (المجتمع المدني) يمكن أن تسهم في رفع الحرج الأخلاقي أو السياسي أو التاريخي، ليس ذلك فحسب، بل والتخفيف من احتمالات التعرض لبعض المشاكل أو الأزمات على المستوى الإقليمي أو الدولي، مما يجعلنا نشدّد القول على أهمية تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتوفير البنية التشريعية والتنظيمية الملائمة، في دائرة من الحرية الكافية التي تفك الارتباط بين القرار السياسي الرسمي ومواقف مؤسسات المجتمع المدني في إطار يتأسس على الثوابت ويجمع عليه الكافة.



Beraidi2@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد