Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
نساؤنا... ونشر الغسيل.. ؟؟!!
آمنة الحربي

 

كنت دائماً ما أتساءل هل يعتبر الحزن عنصر جذب قوي..؟!

وهل وصلنا لدرجة نعشق فيها النكد.. ونتابع تحركاته.. خطوة بخطوة.. ولحظة بلحظة..

ولا نتوانى عن الإمساك به.. واجتراره إلى مخادعنا..!

كل هذه التساؤلات.. كانت تدور في ذهني وأنا أتابع بعض المسلسلات الخليجية.. والتي يغلب على الكثير منها طابع الحزن (والهم والغم) وأضف إلى ذلك الصراخ والتوبيخ الذي يصل لحد الوقاحة في بعض الأحيان.. وناهيك عن مشاهد الضرب المبرح وكأن الخليجيين وحوش ضارية لا تملك مثقال ذرة من رحمة..!

ولكن كل تلك التساؤلات تبددت وتلاشت سريعا عندما كنت أنتظر دوري في أحد المستوصفات.. وأخذت أتبادل أطراف الحديث مع باقي النسوة.. وكانت الأحاديث تتنوع ما بين المفرح والمحزن.. فالبعض كانت تطلق بعض النكات لتبدد الصمت المخيم علينا وبعضهن تحكي عن مشكلتها الصحية.. ومنهن من تتذمر من كثرة المواعيد..

والأخرى تشتكي بأنها لم تجد من يوصلها للمستوصف متبعة ذلك بحسرة (ياليتنا نسوق..)..!

وكل ذلك التباين يحكي طبيعة البشر المختلفة.. في كل زمان ومكان.. ولا ضير في ذلك.. ولكن ما شد انتباهي أن إحدى تلك النساء أخذت تروي مشكله شخصية حدثت معها وقامت تشرح أبعادها بل وبكل حذافيرها.. وبدأ الجميع بالتركيز وكأنها راو يقص حكايات ألف ليلة وليلة وقد أثار ذلك دهشتي واستغرابي..

أيعقل أن البعض منا لا يمل من سرد قصصه المؤلمة على كل من (هب ودب).. بل ويستفيض شرحاً.. حتى تصل معه إلى قعر أحزانه.. وتشعر بمرارة مصائبه..

وليت من يفعل ذلك يطلب الحل.. أو ينشد الخلاص من شراك أوجاعه..

إنما تشعر مع هذا النوع وكأنك بالونة يريد أن ينفخ بها مشاكله.. لتمتلئ حتى وإن وصلت حد الانفجار.. ويخرج من عندك ليبحث عن بالونة أخرى.. - عفوا أقصد عن شخص آخر - ليملؤه بما تبقى من أحزانه..؟!

وهل يعقل بأننا شعب نعشق سماع المآسي.. ونغرق في تيه الحزن.. .. والخوض في خصوصيات الناس ؟!

حقيقة كل ما حدث جعلني ألتمس العذر للكتاب والمنتجين الذين يعكفون على إنتاج ذلك النوع من الدراما المأساوية.. لثقتهم التامة بأن الكثيرين سيستمتعون بمشاهدتها.. وكأنهم مصاصو دماء يستلذ برؤية الدماء ويلعقها بانتشاء..!

واستيقنت بأن ثقافة الوعي لدينا مازالت تغط في سبات عميق وإلا ما الذي يدفع بامرأة للحديث عن أمورها الشخصية أمام نسوة هن بالأصل غريبات عنها.. ولا تعرفهن سوى لدقائق معدودة.

هي - بلا شك - وغيرها كثيرات يرتهن لثقافة ضحلة.. تفتقر لأبجديات الوعي والتذكير بأن أمورنا الشخصية وما يدور في بيوتنا أسراراً ينبغي الحفاظ عليها, وليست غسيلاً ينشر أمام الناس.








 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد