Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
حوار القدر والموت
عبدالكريم بن علي النقيدان

 

كنت أتحدث وزميلٌ لي عمّا جرى لصديق له غرق في قاع وادي الرمة، فألفيت ساهمًا وكأني أنظر إليه وهو يهوي في ذاك الوادي، والذي لم يجرِ منذ عقود سلفت، ثم ألقيت عليه جملة من الأسئلة كيف ومتى وأين غرق؟

فما كان جوابه لي إلا أن قال: لو كنتَ تعلم فلاناً بعينه، لما امتلأ عقلك بهذه الأسئلة ولما عجبت هذا العجب.

إنه القدر، يسري بأهله كما تسري الشمس في أفق الكون، لكن القدر يبقى ينتظر الأسباب من البشر، متى حققها الإنسانُ تحققت له الوقائع، وبها يسير إلى حياته، أو حتمه أو صلاحه.

تأملت كيف مات ذاك الرجل، فوجدت أنه مات كما كان يعيش، فالمزاج المتعجل لربما يموت بسبب العجلة، فيسوق نفسه إلى قضائها. وكذا الرجل المغامر، تقضي على روحهِ المغامرةُ فيموت بسببها، ولا تُذْكرُ المغامرة حتى يذكرَ معها.

ولربما يعيش المرء معظم حياته ببطء، يتناول هذا ببطء، ويقود ببطء، فيموت ببطء، والسبب هو نفسه كان يعيش ببطء، وكم سمعنا عن أناس عاشوا بهدوء وماتوا أيضًا بهدوء.

ومن الناس من يركب رأسه عِنادًا وإصرار على رأيه، فيكون العِناد سببًا لهلاكه، وإقصاءً لأحلامه وآماله. وآخر يقتله طعامه، أو تقوده شراهته لفراش موته، وذاك تصرعه طيبته المفرطة.

وهكذا دواليك دواليك. فبأي حياة عشتها ستموت بها غالباً.

مَنْ يكتشف لنا ما تخبئه أقدارنا، فَنُلْبسه حللَ الامتنان وتيجان التبجيل.

ومن يميط لثام المستقبل حتى يتبين لنا، أنهرب منه أم نبسم في وجهه؟ وله منا جليل الحب، وعظيم الشكر.

لكن .. كما أُخفيت أقدارنا عنا، كذلك لا يفك رموزها إلاّ من وضعها وكتبها ونشرها.

إن أشد الذبح على النفس أن يأتي الموت من صاحب المُدْيةِ، وأقسى المرض أن يأتي من طعامه. وأفتك الأماني أن يسحقها صاحبها بقدميه، وهولا يدري أنها لهُ، فيكسر عظمها ويقصم ظهرها.

قامت دولٌ غربية وشرقية بأموال ملوثة، وبَنَت منها حضارتها ونهضتها، وكانت تتنعّم بها، وتتباهى بمدخراتها، واليوم تتمرغ بدماء معاملاتها المالية الممحوقة.

فكان موتها بما كانت تقتات، وهلاكها بما كانت تتبختر، وكذا الأسد يموت قتيلاً من مخالب الضباع، بعد أن كان هو القتّال، فمات كما عاش.

وإذا تأملت نهاية كل شيء وجدت أن له أصلاً في بدايته، وأن الرصاصة تعود على صاحبها فتخرقه، وهو الذي كان يأويها في جرابها ويحرسها من سارقها، ويلمعها من غُبار الزمن، ووعثاء الأيام.

www.ngedan.com



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد