Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
ملتقى القيادات الشابة.. وكيف نبني القادة في مدارسنا؟
موسى بن محمد السليم

 

مما لاشك فيه أن رسالة المدرسة ليست تعليمية فقط وإنما هي تربوية بكل ما تعنيه رسالة التربية من أبعاد سلوكية وثقافية واجتماعية ووطنية وما إلى ذلك من المعارف والقيم التي لها الأثر الفاعل في بناء شخصية كل طالب وطالبة، وصقل قدراتها وتنمية مواهبهما وإعدادهما الإعداد الحق لخدمة الدين والوطن والمجتمع على الوجه الأمثل والأجدى والأنفع، ولعل من أهم المؤسسات التعليمية السعودية الرائدة في هذا النهج (مدارس الرياض للبنين والبنات) تلك الغرسة المباركة التي وضعها صاحب السمو الملكي الأمير الجليل الوفي سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في بداية العام الدراسي (90-1391هـ) وسقاها بكريم اهتمامه ورعايته بالتعاون مع صفوة من المهتمين بتطوير التربية والتعليم لإيجاد نوعية متميزة من المدارس الأهلية الشاملة لكل مراحل التعليم العام، ذات مناهج تعليمية إضافية في اللغة الإنجليزية وبعض المواد العلمية ونهج تربوي متطور يهتم بالنشاط المدرسي وصقل قدرات كل طالب وتنمية مواهبه وبناء شخصيته في إطار الاهتمام بالنهج الدراسي والتربوي دون اهتمام بالربح المادي إلا بما يساعد المدارس على الاستمرار في أداء رسالتها التربوية والتعليمية بكل إخلاص وحسن عطاء ومواكبة لكل جديد ومفيد في مجال التربية والتعليم.

أعلم حقاً أن شهادتي حيال (مدارس الرياض للبنين والبنات) ستعتبر مجروحة عند بعض القراء؛ لأنني تشرفت بالعمل في إدارتها أثناء جزء من مرحلة تأسيسها في مبناها القديم المستأجر في حي عليشة ثم في مرحلة مهمة من مراحل تطويرها حين انتقالها إلى مبناها الحكومي في (حي السلام) الذي قامت وزارة المعارف آنذاك ببنائه لها (باعتبارها نموذج فريد من المدارس التي ليست ملكاً لأحد ولا تهدف للربح المادي) كما تشرفت باستمرار العمل فيها عند انتقالها إلى مبناها الحالي الحديث بحي الناصرية الذي تفضل به على أسرة هذا المدارس رائد التربية والتعليم والتطوير في بلادنا الغالية خادم الحرمين الشريفين الملك الجليل فهد بن عبدالعزيز (تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنته) حيث أصبح هذا المبنى الكبير بكل مرافقه الحديثة وما فيه من ميادين المعرفة التعليمية والثقافية والفنية والرياضية والتربوية داعماً عظيماً لطلابها وطالباتها ولهيئتها الإدارية والتعليمية لتحقيق الأهداف النبيلة التي أنشئت المدارس من أجلها والمواكبة الحقة لكل مستجدات التقنية، وذلك بما توفر فيها من إمكانيات ووسائل متطورة حديثة.

ولعل من أحدث وأهم تلك الميادين الفاعلة التي أهتم مجلس إدارة مدارس الرياض وإدارتها العامة بتفعيلها (مركز الأمير سلمان لبناء القادة) الذي يعتبر إنجازاً علمياً وتربوياً حديثاً، وترجمة فعلية للآمال التي تطلع مؤسسو المدارس لتحقيقها قبل أكثر من (39) عاماً وأن تصبح في مقدمة المؤسسات الفاعلة في خدمة وتطوير معطيات مسيرة التعليم والتربية ليس لطلابها وطالباتها فقط وإنما للمشاركة أيضاً في كل ما يعود بالمنفعة على الأجيال الصاعدة في بلادنا الغالية.

وخير شاهد على ذلك ما قامت به هذه المدارس عبر (مركز الأمير سلمان لبناء القادة) من تنظيم ورعاية لملتقى القيادات الشابة الذي تفضل برعاية افتتاحه (خلال شهر ذي القعدة من العام 1429هـ) صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض والرئيس الفخري لمدارس الرياض والذي شارك فيه عدد كبير من مسؤولي التربية والتعليم والمهتمين بمجالاتها وضيوف الملتقى من شباب المملكة وجميع دول الخليج العربية الشقيقة، ولم يكن هذا الملتقى حفلاً خطابياً أو مسرحياً فقط بل اشتملت فعالياته التي قام المركز بتنظيمها على بحوث ودراسات في تنمية مواهب القيادة الإدارية والتوجهات والهوايات العلمية.. كما تم خلال هذا الملتقى تقديم محاضرات ذات علاقة بآمال الشباب ومشاكلهم، وتنمية قدراتهم، وعقد ورش عمل وحلقات نقاش لتذليل الصعوبات أمام تطلعاتهم لمستقبل حياتهم وتحقيق آمالهم.

ولقد حالف التوفيق الإخوة الزملاء القائمين إدارياً وفنياً على هذا المركز التربوي في تنظيم فعالياته وخاصة المعرض المتخصص كتباً وصوراً وأعمالاً إلكترونية في مجال القيادة والإبداع والذي تفضل سمو الرئيس الفخري للمدارس بالإطلاع على محتوياته واستمع بكل رعاية أبوية للشرح والتفاصيل التي قدمها الشباب القائمون على أقسامه.. وكان من بين فعاليات هذا العرض (قسم ضم صور وثائقية تاريخية لمرحلة هامة من مراحل بداية مسيرة الخير والبناء للمملكة العربية السعودية في عهد المؤسس العظيم جلالة الملك عبدالعزيز - تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته-) قام بتنظيمه وتوثيقه أحد أبناء مدارس الرياض النابهين الطالب الأمير بندر بن سلمان بن عبدالعزيز، وكذلك اختراع لسيارة خدمات اقتصادية متعددة الأغراض تعمل على البنزين والكهرباء من اختراع سمو الأمير نايف بن ممدوح بن عبدالعزيز الذي كان أحد خريجي مدارس الرياض القدامى المتفوقين قبل أكثر من عشرين عاماً ومن المشاركين بفاعلية في برامج النشاط المدرسي آنذاك.

أما الفيلم الوثائقي المدعوم بالصور والمعلومات التاريخية العميقة عن نشأة وسيرة جلالة مؤسس وباني هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - الذي تم عرضه في ذلك الحفل فقد كان اختياراً موفقاً لاطلاع الشباب المشاركين والمتابعين لفعاليات هذا الملتقى على النموذج الأفضل والقدوة الأمثل للقيادة الشابة المخلصة الجادة المتزنة المؤمنة بربها، ورسالتها السامية المتمثلة في عمق الإيمان وصدقه، وحسن الرؤية وبعدها، وقوة الإرادة وتحقيقها والحرص على الإصلاح وبرامجه البناءة، والإنسانية الحقة ومواقفها المعطاءة وما إلى ذلك من صفات كريمة سامية ومثل قوية عالية تمثلت في سيرته العطرة العظيمة - طيب الله ثراه - وجعلت منها سمات للقدوة المعطاءة والمثل الأعلى للقيادات الشابة في بلاد الإسلام والعروبة.

لقد كان هذا الفيلم الوثائقي من الإنجازات التي تزيد الشباب معرفة وتعميقاً لأهمية محبتهم وإخلاصهم لله ثم للوطن، والصدق والوفاء في القول والعمل، والالتزام بالجدية ونبذ الكسل والإهمال حتى لا يعتري نفوسهم الوهن ويصبحوا - لا قدر الله- عرضة للفشل والضياع.

نعم.. إننا أيها الأحبة في أمس الحاجة إلى مزيد من العناية بشبابنا لأنهم الثروة الحقة لأمتنا وبلادنا، ولابد من تضافر جهودنا وتكاتف قدراتنا، وإعطائهم جل الاهتمام الأسري والمدرسي والشرعي والإعلامي والاجتماعي من أجل تنشئتهم ومن ثم تنشئة كل الأجيال الصاعدة تنشئة إسلامية وسطية معتدلة، وتهيئتهم تهيئة علمية ثقافية معاصرة، وتربيتهم تربية قويمة متزنة، بعيدة عن الغلو والتطرف والانجراف، وعن الضياع والفساد والانحراف وذلك في ضوء تعاليمنا الإسلامية الكريمة وقيمنا العربية القويمة.

ولابد لنا من أجل أن نزيد من تعميق رؤيتنا بكل صدق وشمولية في التخطيط لحياتنا المستقبلية، ومناهجنا التعليمية، وبرامجنا الإعلامية، وما نتطلع إليه من الخير والازدهار لبلادنا، والعزة والكرامة لأبنائنا، والحفاظ على أمننا وهنائنا، كما يجب كذلك أن نزيد اهتمامنا بمدارسنا وأن نكون بمرافقها وبرامجها وهيئتها التعليمية والإدارية بيئة علمية جاذبة ومشوقة، وأن نعمل بكل جدية لتصبح كل مدرسة - بإذن الله - مركزاً لتنمية الثروة الحقيقية للوطن والإعداد الحق لقادة مستقبلة اجتماعياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً، وعسكرياً، والمساهمين بكل إخلاص في بنائه وازدهاره والحفاظ على أمنه واستقراره.

إننا حقاً في حاجة إلى مضاعفة الحرص ودقة الاختيار لمن سيكون الأقرب بعد (الآباء والأمهات) لنفوس الأبناء والبنات في القيام بتعليمهم وتربيتهم، والاهتمام بتوعيتهم دينياً واجتماعياً وصحياً، وبتثقيفهم سياسياً واقتصادياً سواء من خلال منابر المساجد المقدسة، أو برامج الإعلام المقروءة والمشاهدة، إضافة إلى القائمين على مناهج وأنشطة المدرسة حتى نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا الأسس القويمة، والمعاني السليمة بعيداً عن أي خلافات أيدلوجية هادمة أو ازدواجية تربوية ضارة وإعدادهم للمشاركة الفاعلة في بناء الوطن وازدهار الأمة بكل معرفة وإجادة، وحسن أداء وقيادة وعميق فهم ودراية بحقيقة الإخلاص والحفاظ الصادق على الدين والوطن اللذين (لا ولن نساوم فيهما مهما يكن)، وفق ما قاله ويؤكده دائماً مليكنا وراعي مسيرتنا خادم الدين وقائد الوطن الملك المصلح عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله وحفظ ساعده وولي عهده الأمين راعي الخير وفارس الجود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وأيدهما في مسيرتهما المخلصة لبناء وازدهار هذا الوطن العريق بدوام العز والخير والتوفيق -.

رئيس مركز أواصر المعرفة للدراسات والاستشارات
المستشار والمشرف العام على مكتب معالي وزير التعليم العالي سابقاً



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد