Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
الوهابية والزعم بأنها مذهب جديد
عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله بن علي آل الشيخ

 

لم يكن العام 1158هـ عاماً عادياً فلقد شهد انطلاق الدعوة الإصلاحية على يد إمامها المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله في فترة من أشد فترات بلاد نجد وما حولها حاجة حيث تفشى الكثير من مظاهر الانحلال الخلقي والديني وانتشرت البدع والخرافات وتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكانت البلاد برمتها تعيش وسط ظلام دامس كادت فيه الأمة أن تعود إلى جاهليتها الأولى فقيض الله لها المصلح الداعية الإمام محمد بن عبدالوهاب الذي جاهد في الله حق جهاده فأنقذ الله به البلاد والعباد من ظلام الجهل إلى نور الإيمان الصادق التوحيد الخالص فقام يرحمه الله بدعوة الناس إلى الله والتمسك بشرعه على منهج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة المحمدية فعادوا بفضل الله إلى الطريق الصحيح والملة السلمية من شوائب الشرك وأنواعه فنشر دعوة التوحيد بدءاً من الدرعية التي هاجر إليها فانتشرت إلى القرى والبلدان في نجد التي أنعمت بالإسلام الحق بتوفيق من الله عز وجل ثم بدعم ومؤازرة الأمير محمد بن سعود بن مقرن يرحمه الله حاكم الدرعية في زمانه.

ومن علامات انتشار تلك السلفية وتقبل الناس لها حبهم للداعية نفسه، ذلك أنه يرحمه الله قد بين لهم حقيقة ما يدعو إليه واتضح لهم صفاء سريرته وصدق نواياه وفيما وجه الناس به إلى النهج السليم في عبادة الله وحده سبحانه وتعالى وحبه الصادق لبني قومه وخوفه عليهم من الانزلاق في متاهات الشيطان ونصحه المخلص لهم وإرشادهم إلى ما يسعد حياتهم وآخرتهم وينتشلهم من براثن الجاهلية العمياء فكان جهاده بلسانه ويده وفي مؤلفاته القيمة في التوحيد وكشف الشبهات وغيرها من الكتب في العقيدة والفقه والتفسير والحديث، حيث كان لها الأثر في انتشار الدعوة وشد من عضده في ذلك أمير الدرعية وأبناؤه رحمهم الله.

ولم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب يهدف من دعوته تلك إلى الدعوة لمذهب أو معتقد جديد غير ما كانت عليه المذاهب الفقهية الأربعة التي بنى عليها دعوته في نصح العامة وإرشادهم وما كانت دعوته إلا تحت مظلة الشريعة الإسلامية المطهرة ومنهج رسولها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وما كان عليه الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وتابعيهم من السلف الصالح عليهم رحمة الله.

فغايته السامية هي إعادة الأمة إلى التوحيد والعقيدة الصافية من كل شائبة وما كانت عليه تلك الأمة في سابق عهدها من القرون الأولى فكان يرحمه الله متبعا ما كان عليه أسلافه من الأئمة والفقهاء الذين كانت لهم اليد الطولى في شرح عقيدة الإسلام والباع الطويل في علوم الدين أمثال الإمامين ابن تيمية وتليمذه ابن القيم رحمهما الله، فاتبع منهجهما الصحيح ولم يخرج عنهما وطريقتهما ولم يحد عنها.

فكان متبعاً لهما، لا مبتدعا لمذهب عقائدي جديد فهو يقول رحمه الله عن نفسه في إحدى رسائله لأهل القصيم: (أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقده أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره- إلى أن يقول: وأخبركم أني ولله الحمد- متبع لست مبتدعا عقيدتي، وديني الذي أدين الله به هو مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة. ولكن بينت للناس إخلاص الدين لله ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم وعن إشراكهم فيما يعبد الله به.

ويمضي في رسالته فيقول: وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادات نشؤوا عليها وألزمت من تحت يدي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيتهم عن الزنا وشرب المسكر وأنواع المنكرات.

ويقول قدس الله روحه في رسالة أخرى له يغفر الله له: وأما ما ذكر لكم عني فإني لم آت بجهالة بل أقول ولله الحمد والمنة وبه القوة أنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال حمقى حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق.

فإذا تبين لنا من كل ما سبق وعلمنا بحقيقة ما يدعو إليه فكيف يقال إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب جاء بمذهب جديد يخالف ما كان عليه السلف الصالح من أمته؟ حاشاً وكلا ونحن نلمس ذلك جلياً في كل رسائله ومؤلفاته حيث يرجع كل شيء إلى القرآن والسنة والمذاهب الفقهية الأربعة، وما حققه الأئمة ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم.

إنه الافتراء بعينه من أولئك الذين يقولون عنه رحمه الله بأنه صاحب المذهب الوهابي!! إن ابن عبدالوهاب عليه شآبيب المغفرة والرحمة كان صادق النية وخالص الإيمان ولا نزكي على الله أحداً وفياً لدعوته حريص على أمته وفي إنقاذ الناس وردهم عن المعتقدات الفاسدة والخزعبلات الباطلة متبعاً للسنة المطهرة.

يقول عنه الدكتور محمد أحمد درنيقة في كتابه (الشيخ محمد بن عبدالوهاب رائد الدعوة السلفية في العصر الحديث ص 42) ولم يعرف عنه طمع في ملك أو تعطش لسلطان أو حب لرئاسة لأنه حصر همه في تخليص عقائد المسلمين من الضلالات والانحرافات والأباطيل والخزعبلات حتى يعود التوحيد الخالص الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.أ.هـ.

ويقول الألوسي في كتابه (تاريخ نجد) ص 164 وكانت طاعة أهل نجد للشيخ كطاعة الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم. أ.هـ.

لما عرفوا حقيقة ما يدعوهم إليه حيث شرح لهم عقيدة التوحيد الخالص من الشرك وأنواعه فجاهد في الله حق جهاده حتى تكون كلمة الله هي العليا وحارب بكل ضراوة في وجه البدع والخرافات ولم يأت بمذهب يدعو الناس إليه لكن أعداء الدعوة أو الجهلة بحقيقة دعوته هم الذين روجوا تلك الدعوى الزائفة والباطلة، فكان بفضل الله أن أيده وآزره أمير الدعوة السلفية محمد بن سعود رحمه الله وأتبعه الكثير من الذين اطمأنوا إليه وارتاحت نفوسهم لدعوته وأيده كثير من علماء الأمصار في الجزيرة العربية وغيرها كما في اليمن والعراق وغيرهما والذين أثنوا عليه الثناء الحسن وكما جاء في مراثيهم الشعرية حينما علموا بوفاته يرحمه الله.

ولا شك أنه حورب في بعض الأقطار شأنه شأن كثير من الدعاة والمصلحين ولكن الله نصره وأيده كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}.

فلذلك نقول وبعد كل ما سبق تبيانه أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يكن ليدعو إلى مذهب مخالف ما كان عليه السلف الصالح من أهل السنة والجماعة ولا إلى مذهب خامس بل إن دعوته هي من صميم دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم والتي كان يدعو إليها من جاء قبل الشيخ من الأئمة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فكانت دعوته رحمه الله امتدت بفضل الله في عقبه من ذريته وأحفاده عليهم جميعاً رحمة الله أمثال ابنه الشيخ عبدالله بن محمد وحفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن الذين نهجوا منهجه وساروا على طريقه في نشر عقيدة التوحيد فكانوا منارات للعلم والهدى ونجوما تتلألأ في سماء نجد وما حولها.

وإنه لمن الخطأ الفادح أن يقال عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأنها حركة وهابية بل إن الصحيح هداية ودعوة إلى الطريق المستقيم فرحم الله إمام ومجدد الدعوة السلفية شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء كما أرجوه سبحانه وتعالى أن يتغمد بواسع رحمته ورضوانه أئمة الدعوة من آل الشيخ وآل سعود وجميع المسلمين وأن يمد في عمر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين الذين لا يزالون يناصرون هذه الدعوة وتثبيت أصولها ونشرها في كل أصقاع الدنيا.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد