Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/01/2009 G Issue 13250
الاربعاء 10 محرم 1430   العدد  13250
موقف المسلم من اختلاف العلماء
د. إبراهيم بن ناصر الحمود

 

إذا اختلف أهل العلم في مسألة من المسائل الاجتهادية فللمسلم أن يتبع قول من يثق بدينه وعلمه. وما يغلب على ظنه أنه أقرب للحق والصواب. وما يطمئن إليه قلبه. لا هوى نفسه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) ومن تساوى عنده الأمران فإن الأرجح أن يأخذ بما يوافق مقاصد الشريعة ولا يجوز للمسلم أن يتبع رخص العلماء أو يقلد شخصاً بعينه أو يلزم نفسه باتباع مذهب معين، فإن الحق ضالة المؤمن أينما وجده تبعه، والله تعالى يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.

وعلى الأمة أن تتقبل الخلاف بين أهل العلم في مسائل الاجتهاد ولا يكون مصدرا لفتنة أو تعصب فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويجب على العالم إذا لم يتبين له قول في المسألة أن يتوقف. ولا يجوز له القطع إلا بيقين. ومن أراد اتباع أحد الأئمة في قول فله ذلك إن كان مجتهدا فيما توصل إليه اجتهاده مع اعتقاده أنه لا عصامة لأحد من الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط كان مالك رحمه الله يقول: (إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة). ويقول الإمام الشافعي - رحمه الله - إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط ومن استبانت له ستة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يدعها لقول أحد من الناس.

أما العامي من الأمة فيسوغ له التقليد لأنه لا يعرف طرق الأحكام الشرعية وليس لديه قدرة على النظر في الأدلة فهو عاجز عن الاجتهاد فجاز له ذلك بخلاف القادر عليه.

ولما كان العلماء غير معصومين عن الخطأ فواجب على الأمة اجتناب زلاتهم وعدم الاقتداء بهم فيها ففي ذلك الشر كله، وواجب أهل العلم نحو اختلاف العلماء أن يبينوا الحق للناس. وأن الاختلاف رحمة لهذه الأمة لما فيه من التوسعة على المسلمين. وأن الواجب على المسلم أن يأخذ من الأقوال ما تطمئن النفس إلى ترجيحه على غيره إما لقوة القول وأدلته. أو لثقة من قال به وورعه. ولا يتبع ما يمليه عليه هواه.

كما أن عليهم أن يبينوا للناس أسباب اختلاف العلماء. ويذكروا الأمثلة على ذلك في مسائل الفقه. ويبينوا للناس موقفهم من الخلاف وما ينبغي عمله في حق المجتهد والمقلد. وأن الخلاف بين العلماء ليس وليد هذا العصر فقد وقع بين علماء الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين كما هو الحال في الخلاف بين الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء. ومن واجبهم أيضاً: أن يبينوا للناس أن خلاف العلماء لا يعني الاختلاف والفرقة بينهم. وإنما هو اجتهاد ووجهة نظر مع بقاء الألفة والمحبة وكل منهم يقدر للآخر قوله. وعلى كل منهم أن يبين حجته للآخر وعلى الآخر أن يعمل على مناقشة الدليل مناقشة علمية هادفة. دون تجريح أو إنقاص لرأي غيره فإن هذا ليس من خلق العلماء.

كما أنه يجب على الأئمة والخطباء أن يبينوا واجب محبة العلماء وإجلالهم وأن الخلاف بينهم لا ينقص من قدرهم فهم ورثة الأنبياء. وأن من الواجب على المسلمين الالتفاف حول علماء الأمة الذين يوثق بقولهم والأخذ عنهم والرجوع إليهم في الفتوى، وأن يحذروا من النيل من أعراضهم فهم بشر يخطئون ويصيبون، وقد شرفهم الله بالعلم ورفع به منزلتهم وأن الخلاف بينهم سائغ في كل عصر وهذه حال كل مسألة من مسائل الاجتهاد. ولله الحكمة البالغة في أمره ونهيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

للتواصل فاكس: 2495486



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد