Al Jazirah NewsPaper Friday  09/01/2009 G Issue 13252
الجمعة 12 محرم 1430   العدد  13252

نقاط فوق الحروف
الحِسبة رسالة قِيمٍ وحضارة
د. عبدالمجيد بن محمد الجلال

 

حين بني الدول والمجتمعات الإنسانية قدراتها الدفاعية الذاتية، فإنها تستهدف أساساً المحافظة على عناصر الاستقلال والسيادة الوطنية من عبث العابثين وطمع الطامعين. وحين تبني قدراتها الأمنية الداخلية، فإنها تستهدف محاربة الجريمة وكل اعتداء يطال حياة الناس وحقوقهم ومكتسباتهم. وحين تبني قدراتها الاقتصادية وأنظمتها الاجتماعية والقضائية، فإنها تستهدف نشر مظلة العدل والقسط، وتحقيق المكانة الاقتصادية ومستويات المعيشة التي تكفل الحياة الكريمة والسعادة والطمأنينة، للعموم.ولكن هل بهذه الأركان يتكامل البناء ويرتقي؟ ويتحقق للمجتمع استقراره.

في اعتقادي أن هذا البناء وهذا الاستقرار لن تكتمل أسسه وأركانه، وقواعد عمرانه، إلا بوجود ركن آخر يعمل على رعاية منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع ويحافظ عليها، ويصونها من أي كان.

وفي المنظومة المجتمعية الإسلامية تبرز (الحِسْبة) كأداة وركن أساس في التشريع والتأصيل، وفي التنظيم البنيوي للمجتمع المسلم، وفي الولاية التنفيذية للدولة الإسلامية، وفي البناء الحضاري للأمة. وبتطبيقها يتكامل البناء، وتتحقق الحضارة بشرائطها الموضوعية، ومزيجها التوازني الذي يربط بالضرورة بين شروطها المادية، والأخلاقية، في بوتقة واحدة تتفاعل معاً لأداء وظيفة التنمية والعمران، فلا حضارة معتبرة بدون نهوض عمراني ومادي، وقيم وأخلاق تحرس هذا النهوض وترتقي به، فاختلال جزء من هذه الشروط اختلال في مفهوم الحضارة أصلاً.

وفي عصور الإسلام الأولى كانت وظائف الحِسْبة واسعة ومتشبعة، ومجالات عملها تمتد إلى معظم أوجه النشاط الإنساني، إذ كانت المجتمعات الإسلامية في تلك الحقب الزمنية ذات أنماط اجتماعية بسيطة، على مستوى الدولة والمجتمع، وفي الوقت الحديث برزت التجربة السعودية كحالة استثنائية في تنظيمات الدولة الحديثة، جمعت بين متطلبات التقدم المدني والمجتمعي، من جهة، واستمرارية أداء شعيرة الحِسْبة من جهة أخرى، بل إنها سعت إلى ترسيخ مبادئها داخل نسيج المجتمع السعودي، وتثبيتها ركناً أساسياً من أركان الدولة، وجزءاً لا يتجزأ من دستورها، فجاء في المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).

وهذه المكانة الرفيعة للحسبة في بلاد الحرمين - أكدتها الدراسات العلمية- لن ينال منها أي صخب إعلامي وفكري يتتبع الزَّلة ويرقب العثرة، أو يستتر خلف دعاوى باطلة ليسدل عن الأنظار أجندة ومآرب أخرى، يجمعها هدف تهميش المجتمع وقِيمه ومبادئه، وتوطين أنماط وسلوكيات دخيلة، ينفر منها الطَّبع السويِّ، قبل قِيم الدِّين وتعاليمه.

وبإذن الله ستظل شعيرة الحسبة الحصن الحصين الذي يحمي فضاءات هذه البلاد المباركة من أدران القلوب المريضة بالشبهات والشهوات، ويوسِّع من أركان وقواعد الخيِّرية في المجتمع، ولا يساوم عليها، بما يساعد على الوفاء برسالة الحِسْبة في حراسة الفضائل ومحاربة الرذائل، وتحقيق الأمن الأخلاقي للمجتمع من مأثور الحِكم:

وكمْ مِنْ عائِبٍ قَولاً صَحيحاً

وَآفَتُهُ منَ الفَهمِ السَّقيمِ

* مساعد مدير إدارة التخطيط بالرئاسة

العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد