Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/01/2009 G Issue 13253
السبت 13 محرم 1430   العدد  13253
أما بعد
إحياء الفكر العربي وتجديده
عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي

 

انطلقت مؤسسة الفكر العربي قبل سبع سنوات، ومع انطلاقتها انطلقت آمال وتطلعات بغد مشرق للفكر العربي، فكر يليق بالأمة الخاتم، وزاد من سقف الآمال والتطلعات أن قائد هذه المؤسسة فارس حباه الله سمات قيادية شخصية فطرية مؤثرة، وتملك مهارات حياتية متنوعة، جعلت منه شخصية جديرة بأن ترقى بهذه المؤسسة وتقودها إلى إرادة تصنع معطيات التغيير المنشود في إحياء الفكر العربي، وتجدده ليبلغ شرف مكانة الأمة العربية ورسالتها الخالدة. وقد حققت المؤسسة نجاحات مميزة، وتفوقت بدرجة عالية جدا في كيفية استثمار الكفايات الفكرية في الوطن العربي وخارجه، من أجل (دراسة التحديات التي تواجه العالم العربي، وتسليط الضوء عليها، وتحليلها، والتصدي لمعالجتها)، وكان النهج الذي اتبعته المؤسسة لبلوغ هذه الغايات نهجا متجددا مبدعا، وهو نهج يحمل بصمات قائد هذه المؤسسة الذي عرف بقدرته الفائقة على صنع النجاحات والتفوق فيها، وبلوغ الغايات مهما كانت المعوقات والتحديات، وقد تجلى ذلك بوضوح في (فكر 7) حيث روعة التنظيم ودقته، وانضباط المواعيد وأوقات العمل، وجودة المضمون، وفاعلية المشاركين.

والآمال عريضة طموحة، تتطلع بكل إيمان وثقة إلى الجهود التي تبذلها مؤسسة الفكر العربي من أجل إحياء الفكر العربي وتجديده وتفعيله، وتكوين فكر عربي مستنير منفتح متطور أصيل متجدد قادر على المزاحمة، لكي يتبوأ مكانته الأصيلة، ويستعيد وهجه وبريقه، منطلقا من ثوابت النهج الذي ارتضاه الله له، واختصه به وميزه عن غيره، ينهل من معينه الصافي، بعد أن تفرقت به السبل وضيع معالم الطريق الموصلة إلى الريادة والسيادة. فالفكر العربي عالمي في رسالته ووجهته وتوجهاته وهواه، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (28) سورة سبأ. فالرسالة المحمدية معنية بالبشرية كافة، وهذا يقتضي درجة عالية من الفكر القادر على التعامل مع الناس كافة، الفكر الذي يتملك مهارات تمكنه من مخاطبة الناس واستمالة عقولهم ووجداناتهم، مع مرونة فائقة في تقبل كل الاحتمالات وتكييفها بما يتوافق مع عالمية الرسالة وخاتميتها. والفكر العربي وسطي في مفاهيمه وقيمه، فلا شطط ولا زيغ، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة، والفكر العربي متوازن في الجمع بين معطيات الدنيا، وواجبات الآخرة، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص، فلا تعارض بين متطلبات الدنيا وإعمارها، وتغذية الجسد وتقويته بما يحفظ للإنسان كيانه ونسله، وبين تقوية صلة الروح بخالقها تعبدا وطاعة، فقد تم التوفيق بين المجالين على الرغم من الاختلاف بينهما، فلا شطط ولا مبالغة ولا إسراف ولا تحيز لأي جانب على حساب الآخر، فالإنسان بشر، لا يرقى إلى مصاف الملائكة، لكنه في الوقت نفسه لا ينحدر إلى مصاف البهائم، فهو مطالب بأن يسعى في الدنيا وكأنه يحيا فيها حياة أبدية، ومطالب في الوقت نفسه أن يسعى للآخرة وكأنه يموت غدا، إنها معادلة صعبة لكنها تحققت وبدرجة عالية من التوافق والتوازن في ثقافة المسلم وحياته. والفكر العربي يؤمن بتوازن القوى، بحيث لا تطغى أمة بقوتها، وتتسلط بعتادها، وتستأثر بخيرات غيرها وخياراتهم، لأن مدافعة هذا بذاك يحقق العدالة وإعمار الأرض قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة. والفكر العربي يؤمن بالاختلاف بين الناس، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }(118) سورة هود، ويؤمن بأن التقوى هي معيار المفاضلة بين الناس، وهي معيار الكفاءة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات. ففي الاختلاف بين الناس رحمة، وفيه تيسير عليهم وتسهيل، وفيه تسيير للحياة وإعمار للكون. وعلى الرغم من وضوح معالم المصادر التي تكون الفكر العربي، المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن القيم المجتمعية الحضارية للعرب، والتي تعد منارات هدى وهداية لكل خير، بما تمثله من عدالة ووسطية وتسامح، إلا أن الفكر العربي يعاني الآن من أزمة مزمنة، تجلت في العوق الفكري الذي يخيم عليه، والمتمثل في تخلفه عن الريادة والمزاحمة على الصدارة، بسبب انغلاقه وانكفائه على ذاته، وتسلط المصادر الأحادية للتلقي والتكوين، وتغلب العواطف وما صاحبها من انفعال وتكبر وتعال ومكابرة. إن مؤسسة الفكر العربي بما تتملكه من قيادة محنكة، ومنهج أصيل منفتح، لقادرة على إعادة الفكر العربي إلى سابق عهده الزاهر بإذن الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد