Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/01/2009 G Issue 13253
السبت 13 محرم 1430   العدد  13253
حكايات خلف أسوار عليشة
فوزية البكر

 

تبدأ الحكايات بواحدة كهذه:

(في أحد الأيام قررت أنا وصديقاتي أن نزور مبنى الدراسات العليا؛ لتقديم طلباتنا في برنامج الماجستير، وأخذنا جولة في المبني فدخلنا إحدى القاعات ورأينا أستاذاً في الشاشة فأخذنا نتكلم عنه ونحن لا ندري أنه يسمعنا، لأننا توقعنا أن استديوهات هذا المبنى مثل مبنى الشبكة الخاصة بنا في البكالوريوس، وحتى يسمع الأستاذ لا بد من رفع سماعة الهاتف المتخصصة لذلك..

فأخذت أنا وصديقتي في ذمِّه والتعليق على شكله. أما الثالثة فكانت تمدحه وتدافع عنه بشدة. بعد قليل رفع عينيه وقال.. شكراً للطالبة التي كانت تمدح... أما أنا وصديقتي فسمعنا كلاماً لا يمكن ذكره!!)

وتحت عنوان التهام العلم كانت هناك حكاية أخرى:

(كانت المادة صعبة جداً إلى درجة أنني كنت خائفة وأتوقع فيها الرسوب، حيث كان علي أن أحصل على ثلاثة أرباع الدرجة حتى أنجح، لذا قمت بكتابة الموضوع كاملاً على (برشامة) بحجم كف اليد وأخفيتها في جيبي، وفي قاعة الامتحان كنت أتحين الفرص لإخراجها غير أن إحدى عضوات لجنة المراقبة. وكانت من المشهود لهن بالشدة.. تراقبني كثيراً ولذا تخوفت كثيراً من إخراجها.

وفي لحظة من الجرأة تمكنت يدي من الوصول إليها وسحبها من جيبي وعندها شاهدتني تلك الأستاذة واتجهت نحوي، وقد أيقنت بالفضيحة فما كان مني إلا أن اضطررت لبلع تلك البرشامة ظناً مني أن الوضع سينتهي عند هذا الحد، لكنني للأسف أصبت بمغص شديد أشبه بالتسمم نتيجة التهامي لها وأنا جائعة فقد كانت المعدة خاوية وأطعمتها ورقاً يابساً!!!!

وقررت بعد ذلك أن أتناول طعام الفطور خصوصا أيام الامتحان فمن يدري ربما...!!!!!

هذه الحكايات وغيرها كثير وطريف يتدفق كالوميض من كتاب سعاد المشعل مؤلفة هذا الكتيب الطريف تحت عنوان (حكايات خلف أسوار عليشة). وعليشة لمن لا يعرفها وكما قدمتها مؤلفة المكان تحت عنوان: ما هي عليشة؟!! ليست اسماً مؤنثاً لاسم ذكر وليست اسماً لشخصية معروفة، إنما أطلق هذا الاسم منذ عشرات السنين على حي من أحياء مدينة الرياض القديمة، حي كان يعج بالسكان قبل أن تمتلئ جيوب أغلب سكانه بعد الطفرة ليتركوه وينتقلوا إلى أحدث الأحياء!!

ولكن هذا الحي يرفض أن يرمى في زاوية النسيان بل ويتشبث بذاكرة الغالبية من سكان مدينة الرياض.. فلا تزال مباني بعض الدوائر الحكومية موجودة فيه، لكن مصدر قوة هذا الحي الذي جعله يزهو على أقرانه هو وجود مباني جامعة الملك سعود، حيث كان مقراً لطلاب الجامعة من الذكور لعشرات السنين، ثم بعد ذلك ورث الجنس الناعم تلك المباني على نفس حالتها الهندسية ليكملن فيها دراستهن، ولتكون أرضاً خصبة لكل معنى ولكل حرف لقسم من الدارسات في الجامعة، هن طالبات العلوم الإنسانية التي تضم كليات التربية والعلوم الإدارية والآداب واللغات والترجمة.

الطريف في الكتاب هو موضوعه حول مركز عملاق مثل مركز عليشة الجامعي الذي يضم اليوم أكثر من خمسة عشر ألف طالبة وحوالي ثلاثة آلاف موظفة ما بين عضو هيئة تدريس وإدارية، لذا فقد كان مصدراً خصباً للكاتبة التي تفننت في اختيار الكثير من اللقطات بعدسة كاريكاتورية مقدمة في لغة مبسطة، لتلتقط صورا سريعة لمواقف وأحداث تجري في حياة الطالبات داخل هذا المركز، وتقدم من خلال رؤيتهن لا رؤية الآخر الذي هو نحن ممن نقوم على تصريف أمور المكان إدارة أو تدريساً، وهي ذكرت تحديداً في تقديمها لعليشة أنها تركت بعد أن غادرها الجنس الخشن على نفس حالته الهندسية الجميلة لأن المبني أساساً بني وفي الذاكرة رجل سيقطنه؛ فتفنن المهندسون في إتاحة المساحات الخضراء وتوسيع المسافات ما بين المباني، فالطلبة يرغبون في استنشاق هواء نقي والجلوس على العشب الأخضر. وحين بنيت مباني الجامعة الكبرى في عليشة انتقل (هارون الرشيد) مع حاشيته وترك البقايا والمخلفات للمرأة من بعده. ونحن كنساء ممتنون لذلك على الرغم من كونه البقايا، فعلى الأقل لم يتم حشرنا في مقاييس المباني التعليمية التي استنتها الرئاسة العامة لتعليم البنات في زمنها وطبقتها دون تمييز للمكان أو الغرض أو الطقس أو المرحلة لكل مدارسها وكلياتها في كل أنحاء المملكة التي لا تتجاوز هندستها فكرة مربع أو مستطيل بأسوار عالية وممرات بعلب كرتونية تسمى مجازاً فصولا دراسية، يراعى فيها أن تستوعب أكبر قدر من الطالبات وبها شباك عال للنور فقط، وتدور هذه الممرات على ساحة من البلاط التعس يسمح فيه للطالبات خلال الفسحة أن يأكلن سندوتشاتهن دون أية مساحات خضراء أو أماكن للنشاط أو اللعب أو الكافيتيريا أو المسرح إلخ من المستلزمات الأساسية لأية مؤسسة تعليمية في عصرنا الحديث.

وعليشة فعلا موضوع خصب وثقيل ومحمل بكل تناقضات وأشجان مدينة بحجم وتعقيد مدينة الرياض فكل الدوائر الحكومية تعمل داخله إما بشكل مباشر أو غير مباشر!!! وقد وصل بنا الأمر في فترة تاريخية ولت إلى غير رجعة أن أصبح للجميع الحق في إدارة شؤون الطالبات، وفرض القوانين التعسفية داخل الحرم الجامعي التي رأى فارضوها في ذلك الوقت أنها تحمي الطالبات، ووصلنا إلى مرحلة تناقصت فيها مفاهيم وتطبيقات الحياة الجامعية إلى حدها الأدنى.. وها نحن الآن نحاول استعادة بعض الحق الإنساني في أن نعامل ونقوم (من التقويم) كمؤسسة جامعية وأكاديمية أولاً يأتي لها الناس لتلقي المعرفة وفتح مجالات الفهم والوظيفة وبناء مجتمع قادر على التعامل مع متغيرات القرن الواحد والعشرين.

مشكلة عليشة أنها تضم أعداداً هائلة من البشر وهي تضم كل الطبقات وكل الأشكال وكل الألوان وكل الخلفيات الاجتماعية والطبقية، وهذا الأمر لا ينطبق على الطالبات فقط بل ينسحب حتى على الموظفات والموظفين في القسم الرجالي المجاور للمركز. من هنا كان من الحتمي أن تحدث التناقضات في الرؤيا وفي الملبس وفي السلوك وفي اللغة المستخدمة في الحديث، ومن المتوقع أن يحدث بعض سوء الفهم من بعض المتلقين أو المتلقيات، وهو ما خلق الكثير من الحكايات المثيرة التي غلفت جدران عليشة لبعض الوقت.. فعباءة على الكتف من طالبة قد تدفع بطالبة أخرى ترى ضرورة وضع العباءة على الرأس إلى الظن بخروج هذه المؤسسة التي تسمح بذلك عن الخط الديني المتوقع من مؤسسات البنات التعليمية التي وضعت حدود توقعاتها وما يجب وما لا يجب أن تفعل وطريقة اللبس للطالبات والقوانين الضابطة لدخولهن وخروجهن، كما شكلت مناخ القيم الثقافية التي سادت عصوراً صاخبة طيبة الذكر الرئاسة العامة لتعليم البنات خلال تاريخها الطويل في إدارة تعليم المرأة في المملكة الذي بدأ منذ العام 1960 وحتى حلها في العام 2004. ولأن عليشة شاسعة وواسعة بحجم المدينة فمن الطبيعي أيضاً أن تضم من قد يسيئون استخدام حقوقهم أو امتيازاتهم وقد يخرجون عن توقعات المؤسسة لتحقيق أغراض خاصة، لكن المشكلة أن الخطأ الواحد لا يوضع ضمن نطاقه وظرفه بل يتم تعميمه على كل من بعليشة بحيث يتحمل الجميع خطأ فردياً لا بد أن يحدث من جماعات بشرية بهذا الحجم الكبير، ومن هنا جاءت ثورة بعض الأجهزة المحافظة في الدولة التي للأسف وجدت أذنا صاغية من بعض صناع القرار في الجامعة ممن يشاركونهم ذات التوجه دون أن يتمكنوا من الدخول فعلياً إلى داخل عليشة والتعرف على واقع المكان، فقلصت الكثير من البرامج والأنشطة والمهرجانات والفعاليات والمحاضرات وحرمت الفتاة الدراسة من الكثير الذي كان يمكن لجامعة بحجم جامعة الملك سعود وبإمكاناتها وتاريخها أن توفره.

عليشة فعلا عالم ثري ويمكن أن يكتب الكثير حول ما يحدث فيه والتوقعات التي يحملها من بالخارج عنه وقصص الآلاف من الداخلات والخارجات فيه وتفسيرهن لما يرينه أمامهن وشوارعه وبناته وأحلامهن وصخبهن ونجاحهن وفشلهن، فسعاد المشعل في كتيبها هذا تمكنت من التقاط الكثير من الصور بشكل شهي وبسيط وبعدسة رسام كاريكاتير يمكنك من إنهائه خلال ساعة لتخرج منه وأنت تقول.. آه بس لو أدخل مرة لعليشة!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد