Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/01/2009 G Issue 13253
السبت 13 محرم 1430   العدد  13253
مرة أخرى.. أخيراً انتصرنا
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

أخيراً تمخض مجلس الأمن الدولي؛ فولد القرار الدولي رقم 1860 القاضي بالوقف الفوري لإطلاق النار بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بتأييد 14 دولة من أعضائه، بمن فيهم أربعة أعضاء من الدول العظمى دائمة العضوية، فيما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، واكتفت بموقف سياسي حيادي حتى الآن؛ لمعرفة ما تقرره الأحداث وللتحرك في ضوئها مستقبلاً.

بمعنى أدق أن واشنطن قررت على استحياء البقاء على خط الحياد المؤقت وساهمت بشكل سياسي غير مباشر في صناعة القرار الدولي ربما كرد فعل منطقي واستجابة للضغوط العربية القوية، ولربما احتراماً من إدارة الرئيس بوش المنتهية لمستقبل قرارات إدارة الرئيس القادم أوباما. ويمكن أن يكون الموقف الأمريكي استجابة لإيعاز من الرئيس الجديد أوباما للرئيس بوش.

على أي حال من الأحوال وأياً كان السبب أو كانت الأسباب فإن القرار الدولي يعني استجابة واضحة للمساعي والضغوط السياسية والدبلوماسية العربية على مستوى مجلس الأمن الأممي الأعلى؛ مما يعني نجاح مثل هذه الدبلوماسية المباشرة مع الدول العظمى، كما يعني أن المطالبة باجتماع طارئ للقمة العربية لم تكن بمطالبة واقعية حقيقية في موقعها الفاعل ولا في مكانها الموضوعي الصحيح؛ إذ لم يكن ليُرتجى تحقيق أي هدف فاعل وناجع من عقد قمة عربية قد تساعد على تعظيم الشرخ العربي - العربي على حساب الشعب الفلسطيني.

بيد أن اتخاذ مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 1860 لا يعني بالضرورة الوقف الفوري لعمليات إطلاق النار وذلك حتى يتم تبليغ الأطراف المعنية بالصراع بذلك القرار الدولي رسمياً من خلال رسالة رسمية يحملها لهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي من المتوقع أن يقوم بذلك يوم الاثنين؛ مما يفتح المجال برمته لاستمرار العمليات العسكرية الوحشية الإسرائيلية ضد شعب غزة الفلسطيني.

لكن من الملاحظ أن رسالة القرار الدولي واضحة لجميع الأطراف المعنية بالقتال الحالي في قطاع غزة، خصوصاً إسرائيل، ومع هذا جاء تصريح ممثل حركة حماس في بيروت بشكل سريع ليؤكد أن حماس غير معنية بهذا القرار الدولي، مشيراً إلى ضرورة الاستجابة الإسرائيلية للقرار أولاً قبل أن تلحظه وتمتثل له حركة حماس.

من ناحية مرئيات وحيثيات القانون الدولي، فإن ما صرح به ممثل حركة حماس صحيح مائة بالمائة؛ فحماس ليست بطرف دولي رسمي معترف به من قبل منظمة الأمم المتحدة ولن يحمل لها الأمين العام رسالة قرار مجلس الأمن الدولي التي ستذهب قطعاً إلى السلطة الفلسطينية. لكن بطريقة أو بأخرى على السلطة الفلسطينية أن توصل تلك الرسالة إلى حماس سريعاً بأي شكل من الأشكال حقناً لدماء الأبرياء وحفاظاً على أرواح وممتلكات الشعب الفلسطيني.

الذي لا نشك فيه أن اجتماع مجلس الأمن الدولي ومن ثم تبنيه للقرار 1860 جاء في الوقت المناسب بعد نمو المخاوف من توسعة صراع الدائرة الفلسطينية لتشمل بعض دوائر الصراع في المنطقة، وتحديداً الجنوب اللبناني الذي أطلق منه بعض الصواريخ على شمال إسرائيل, وكانت المخاوف أن تقوم إسرائيل بعمليات رد عسكرية معهودة منها في تلك البقاع، بيد أن سرعة حركة نفي وتطمين الحكومة اللبنانية الدبلوماسية وتأكيدات حزب الله بعدم معرفته أو موافقته لإطلاق تلك الصواريخ حدا بإسرائيل إلى التصريح بأنها تستبعد أن يكون حزب الله ضليعاً في إطلاق تلك الصواريخ!!. بمعنى آخر أن إسرائيل حيدت الأمر برمته وجمدت الواقعة كلها بعد أن تأكدت أن حزب الله سيبقى متفرجاً على ما يحدث في غزة من قتل ودمار تماماً كما وقفت حركة حماس متفرجة في أحداث الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني في صيف عام 2006م.

أياً كان الحال أو السبب في عدم وجود ترابط أو توافق أو تعاون أو تكاتف أو حتى تعاطف ميداني ملحوظ بين حركتي المقاومة اللبنانية والفلسطينية فيما يتعلق بتحديدات أرض المعركة مع إسرائيل، فإن الجهود العربية السياسية والدبلوماسية السلمية المباشرة نجحت من حيث المبدأ ومن حيث الهدف في استصدار القرار الدولي، وما يتبقى يتمحور حول تبليغه وآليات تطبيقه ومتابعتها وتقييمها على أرض الواقع مع الأخذ في الاعتبار احتمالات ووقائع عدم الالتزام به، ولو مؤقتاً، من قبل أي من الطرفين.

ترى ما الذي حققته إسرائيل من هذه العمليات العسكرية الوحشية؟ هو سؤال لا يقل أهمية ولا دقة عن ذات السؤال حول ما حققته حركة حماس من إطلاق صواريخها على إسرائيل؟ الذي نحسه ونتلمسه صعوبة إيجاد شكل من أشكال المقارنة بين نتائج الطرفين من أرباح وخسائر منطقية وواقعية، خصوصاً بين الأعداد الضخمة من القتلى والجرحى الفلسطينيين في مقابل حفنة قليلة لا تزيد على تسعة قتلى إسرائيليين من الجانب الإسرائيلي. الحقيقة تؤكد أن ما حققه الطرفان معاً من صراع وعراك عقيمين دفع ثمنه قرابة أربعة آلاف من الأبرياء من المدنيين من الشعب الفلسطيني.

منتهى القول أن ما يمكن أن يتحقق على الصعيد الفلسطيني في هذا العام لن يختلف عما تحقق على الصعيد اللبناني في عام 2006م؛ فالمسارات حتماً تتوقف فيما تفتح المجالات لمسارات أخرى من المتوقع أن تتحرك تباعاً. وفشل إسرائيل في تدمير حزب الله اللبناني لا يقل - كماً ونوعاً - عن فشلها في تدمير حركة حماس الفلسطينية، لكنها قطعاً تمكنت من تحجيم الحركتين بالإرادة الدولية والشرعية الدولية، خصوصاً من مصادر دعمهما وتمويلهما الإقليمي؛ لذا لن يحرمنا أحد مما سيقال عن تحقيق نصر حمساوي على إسرائيل كنصر وانتصار حزب الله عليها رغماً عن واقع الدمار والخسائر الفادحة التي تعرض لها كل من الجنوب اللبناني وقطاع غزة.



drwahid@email.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد