Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/01/2009 G Issue 13254
الأحد 14 محرم 1430   العدد  13254
وقْفُ (الحَمَاس).. على (حَمَاس)..؟!!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

من أخبار الجارة (الكويت)، أن سبعة آلاف دينار - أي سبعين ألف ريال تقريباً - عُرضت على النائب الكويتي (وليد الطبطبائي)، لشراء حذاء له، رفعه في مهرجان لدعم غزة وتحميس (حماس)، في ساحة الإرادة يوم الأحد قبل الفارط..

وقال فيه لا فض فوه: (أرفع عقالي لإسماعيل هنية، المجاهد الكبير، وهذا حذائي أرفعه لمحمود عباس)..!

* لا حظوا معي، كيف تَعْمد العقلية المؤدلجة، إلى اختزال قضية فلسطين ومحنة الشعب الفلسطيني كله، في شخص واحد هو (إسماعيل هنية..!! وفي المقارنة بين حذاء وعقال السيد (الطبطبائي)، نجد ما يفسر لنا، حالة الحُمّى التي تجتاح المنطقة العربية باسم (حماس)، وليس فلسطين وأهل فلسطين، ولا الأرض الفلسطينية السليبة.

* ماذا لو أن العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وحماس، كان موجهاً إلى رام الله والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هل كانت عقلية (العقال والحذاء، سوف تنقلب، فيأخذ حذاء الطبطبائي مكان عقاله، ويأخذ عقاله مكان حذائه، في مثل هذه الانتقائية الفجة، بين أبناء الشعب الفلسطيني، فتقول مثلاً: (أرفع عقالي لمحمود عباس المجاهد الكبير، وهذا حذائي أرفعه لإسماعيل هنية)..؟!

* فيما لو كان العدوان الإسرائيلي موجهاً نحو الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية فيها، فإني أجزم أن السيد (الطبطبائي)، ومثله كافة الصحويين والخونجية، المصابين بحُمّى حماس في وطننا العربي اليوم، سوف لن يحرك أحد منهم ساكناً، وسوف تجف محابرهم، وتصمت منابرهم، فلن يقنتوا في الصلوات للسلطة ورئيسها، مثلما يفعلون اليوم لحماس ورئيسها، ولن يدعو أحد منهم للجهاد ضد الصهاينة المغتصبين المعتدين، لأن الفريق الذي يناضل الصهاينة ليس من حزبهم، ولأن حماس التي يوقفون الحماس عليها، ليست هي المستهدفة بالعدوان..!

* لقد نجحت إسرائيل بعد اتفاق أوسلو، في تحويل القضية الفلسطينية، من صراع عربي إسرائيلي في المنطقة، إلى صراع إسرائيلي فلسطيني على أجزاء من أرض فلسطين فقط، ونجحت حماس بعد انقلابها على الشرعية الفلسطينية، في تحويل الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل على أجزاء من أرض فلسطين، إلى صراع بينها وبين إسرائيل على جزء من أرض فلسطين فقط، وسوف ينجح الصحويون والمتأسلمون وحزب الله وأتباع إيران في المنطقة، إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وإنهاء الصراع بين المقاومة وإسرائيل، بإنهاء المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع.

* ما هو (أطب) من عقال وحذاء السيد (الطبطبائي)، هو ذاك الذي يتردد من بعض زعامات في حماس وحزب الله، فمنهم من يتهم مصر تحديداً، بالتمهيد للعدوان على غزة..! هكذا.. ويتهم السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، بالتواطؤ مع إسرائيل، وأن إسرائيل تعتدي على غزة لتصفية حماس، نيابة عن السلطة الفلسطينية، ليأتي محمود عباس وحكومته إلى غزة، على دبابات إسرائيلية..!

* هذا هو منطق تجار القضية الفلسطينية من (الكلامجية)، الذين يناضلون من الفنادق لا الخنادق. انفعالات هوجاء، ونفخ في الهواء، وتأجيج وتحميس وتعبئة للشارع العربي والفلسطيني، وهذا كله لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانتكاس والانقسام والتشرذم، حتى لو مات سكان غزة بكاملهم تحت القصف، هذا غير مهم عندهم ولا عند المجاهد الكبير هنية. المهم أن تبقى حماس، وتنتفخ جيوب المناضلين في فنادق بعض العواصم العربية والأوربية.

* مرة أخرى، يخطئ هؤلاء كثيراً، لأن العدو الصهيوني، لا يمكن أن ينفذ عملية إلا وفق حساباته الخاصة، فلا ينوب عن أحد، ولا يمكن أن يطرد قيادة حمساوية في غزة، ليسلمها إلى قيادة فتحاوية. كان من أهم أهداف السياسة الإسرائيلية وسيظل، توسيع شقة الخلاف بين الفلسطينيين، لأن الانقسامات الفلسطينية منذ ظهور حماس في الدولة الفلسطينية، ظلت تمهد لمزيد من هذا التدهور، فتبرير العدوان على غزة بطريقة مناضلي ومناصري حماس، يضعف الموقف الفلسطيني قبل الموقف العربي، وإذا كانت حركة حماس، تراهن على إيران وحزب الله وحلفائها من الجماعات المتطرفة في المنطقة، فهي تخطئ هذه المرة أكثر من أي مرة سابقة، لأن دولاً عربية كبيرة في المنطقة، وخصوصاً تلك المحيطة بإسرائيل، لن تتأثر بالتأجيج المبرمج، ولن تقع في فخ مغامرة حمساوية على غرار مغامرة حزب الله قبل عامين، ولن تنقض معاهداتها واتفاقاتها مع دول كبيرة في العالم، تربطها بها مصالح جوهرية، ولن تقلب علاقاتها الدولية والإقليمية، استجابة لما تحاول أن تمليه عليها أحزاب ومنظمات مثل حزب الله وحماس، أو من يقف وراء حماس، من المتكسبين أيدلوجياً. هذا خطأ فادح، ووهم كبير، كان ينبغي أن لا تقع فيه حركة حماس منذ البداية، وأن تحافظ على لحمة الشعب الفلسطيني، وتراعي علاقاته بالشعوب العربية، حتى لا يكون للشعب الفلسطيني سوى عدو واحد هو إسرائيل وحدها.

* لقد بدت حركة حماس منذ عامين، وهي تستقل بحكم قطاع غزة، وتمهد لإمارة حمساوية على غرار إمارة طالبان البائدة، وكأنها مخلب قط للسياسة الإيرانية، وحالة تعويضية لفشل ابن لادن والقاعدة، وراحت بذلك، تتصرف باتجاه تحقيق نزعة إسرائيلية نحو ديمومة الاقتتال وتهجير المواطن الفلسطيني، فمزقت بذلك الصف الفلسطيني. إن إسرائيل تخشى السلام أكثر من الحرب، فهي تحتاج إلى جبهة فلسطينية مثل حماس لتحقيق هذا الغرض، لكي تمارس سياستها الإرهابية في تصفية القضية الفلسطينية، وتفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها في غزة والقطاع، وتوريط مصر بالدعوة إلى مصرنة قطاع غزة من جديد، وتوريط الأردن بالمثل، بأردنة الضفة الغربية.

* ليت المتحمسين لحماس، لا يذهبون أكثر مما ذهبوا إليه، في توظيف العدوان على أهل غزة، لدعم حركة حماس المتطرفة، وتلميع سياستها الانفصالية، وليس حماية سكان غزة من الموت والقهر، فلم يعد مفهوماً كيف يكيل أنصار حماس بمكيالين..؟ كيف ينصرون فريقاً على فريق، وهم يعرفون أنهم يشطرون الشعب الفلسطيني، ويشقون صف الإخوة في غزة والقطاع.؟

* وليتهم يسألون أنفسهم بدون انفعال أو تعصب: كيف التقت حركة حماس مع الكيان الصهيوني في رفض مبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي أقرها العرب بما فيهم الحكومة الفلسطينية في بيروت، وباركتها دول العالم كبيرة وصغيرة..؟!

* إن المزيد من القتل والتدمير في غزة، الذي تمارسه إسرائيل، مقابل تعنت وإصرار قادة حماس على الانتحار - انتحار الشعب طبعاً وليس انتحار القادة - لن يحرر فلسطين من نير الاحتلال، ولن يؤسس ل(إمارة طالبانية) عاصمتها غزة، ويقودها أمير المؤمنين إسماعيل هنية، كما هي أحلام الخونجية والمتطرفين في المنطقة، بل إلى المزيد من إضعاف الشعب الفلسطيني، وإنهاء حلمه في المقاومة وتحرير الأرض المغتصبة، وإحراج دول الطوق العربية، التي هي في غنى عن مغامرات غير محسوبة، وخسائر تطال الشعب الفلسطيني المكافح من أجل لقمة عيشه، قبل غيره من أدعياء البطولات.

* هناك فرق كبير دون شك، بين فلسطيني يريد أن يعيش من أجل فلسطين، وآخر يريد أن يموت من أجل فلسطين، فأيهما أبقى وأصلح لفلسطين وأهلها، الحي أم الميت..؟



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد