من المعروف أن قطاع النفط في الدول المنتجة يُمثِّل عصب الحياة وشريانها الاقتصادي وتُعد منتجاته من السلع الإستراتيجية الأولى التي تؤثر تأثيراً عالمياً سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.
لذا فمن الطبيعي أن تشغل أخبار أسعار النفط اهتمام الأوساط الدولية من مستهلكين ومنتجين وصنَّاع قرار ورجال المال والأعمال، فالنفط له أدواره التاريخية في الحياة الاقتصادية التي تلعب دوراً أساسياً في نمو اقتصاديات العديد من الدول المستهلكة والمنتجة على السواء، فبالنسبة للدول المنتجة فقد ساهمت أسعاره وعوائد بيع منتجاته في تكوين أموال هائلة تم استخدامها في إقامة المشروعات الاقتصادية ذات البنية التحتية مثل مشروعات البنية الأساسية والمرافق والمطارات مما ساهم في إحداث طفرة في التنمية الاقتصادية لهذه الدول، أما الدول المستهلكة وهي الدول الصناعية فقد لعب فيها النفط دوراً بالغ الأهمية في تحقيق نهضة صناعية شاملة وضعتها في مصاف القوى الاقتصادية العالمية.. والمتابع لحركة أسعار النفط العالمي في الوقت الحالي يجد أن السعودية خفضت إنتاجها من النفط إلى 1.2 مليون برميل يومياً منذ أغسطس إلى نوفمبر الماضيين ليصل الإنتاج إلى 8.5 ملايين يومياً من 9.7 ملايين برميل يومياً، وتوقع النعيمي خفض الإنتاج من خارج أوبك أيضاً. وتأمل أوبك كذلك في أن تخفض روسيا إنتاجها، وروسيا ليست عضواً في أوبك وسترسل وفداً إلى وهران وقالت إنها يمكن أن تفكر في الانضمام إلى المنظمة.
تحركت الأسعار صعوداً وارتفعت الثلاثاء 16-12-2008، حيث ارتفع سعر النفط الخفيف تسليم يناير 20 سنتاً ليصل إلى 44.71 دولاراً للبرميل في سوق نيويورك، وفي سوق لندن ارتفاع سعر نفط برنت بحر الشمال تسليم يناير إلى 44.70 دولاراً للبرميل.
من جهة ثانية أظهر استطلاع أجرته رويترز أن منتجي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من المرجح أن يعلنوا أكبر خفض في الإنتاج على الإطلاق هذه الفترة، في محاولة جريئة لوقف انهيار أسعار النفط.. وتوقعت جميع الشركات والبنوك ومجموعات البحث المشاركة في الاستطلاع وعددها 14 مؤسسة استطلعت رويترز آراءها يوم 15 ديسمبر أن أوبك ستخفض إنتاجها بمقدار 1.5 مليون برميل على الأقل في اجتماعها في مدينة وهران في الجزائر يوم الأربعاء 17- 12.. ويشير متوسط التوقعات إلى خفض أكبر من ذلك ربما يصل إلى مليوني برميل يومياً وهو ما سيكون أكبر خفض في الإنتاج يُتفق عليه منذ تأسيس المنظمة التي تنتج أكثر من ثلث النفط العالمي قبل نحو 50 عاماً. وتشير نتائج الاستطلاع إلى خفض أكبر بكثير مما أشار إليه استطلاع مماثل أجرته رويترز قبل أسبوع، وبلغ متوسط توقعات الخفض في أحدث استطلاع 1.82 مليون برميل يومياً بالمقارنة مع 1.57 مليون برميل يومياً في الاستطلاع السابق الذي نُشرت نتائجه يوم 11 ديسمبر.
وتوقع خمسة من الذين استطلعت آراؤهم أن تخفض أوبك الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وتوقع أربعة خفضاً قدره 1.5 مليون برميل يومياً وتوقع بنك واحد خفضاً قدره 2.5 مليون برميل يومياً.
ومن هنا يأتي التساؤل الذي يفرض نفسه حول ما هي الأسباب التي تقف وراء تذبذب أسعار النفط بهذه الصورة؟
وللإجابة على هذا التساؤل سوف نستعرض بعض العوامل التي ساعدت على حدوث ارتفاع أسعار النفط ومنها: زيادة الطلب الحالي على النفط من جانب الدول الصناعية المستهلكة، فمن المعروف أن سوق البترول يقوم على قاعدة اقتصادية هامة هي العرض والطلب.. أما الطلب فزيادته على النفط أدت إلى ارتفاع أسعار البترول، وهذا يتطلب دفع جانب العرض للزيادة وهناك ضغوط كبيرة جداً تُمارس من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الدول المنتجة للبترول لزيادة إنتاجها لمواجهة الزيادة في الطلب والضغط على السوق حتى تنخفض الأسعار لأنه من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على النفط بمقدار 290 ألف برميل يومياً لتصل الزيادة السنوية في الطلب إلى 1.8 مليون برميل يومياً.
كما تجدر الإشارة إلى جهود المملكة العربية السعودية في هذا الشأن باعتبارها من أكبر الدول إنتاجاً للبترول في العالم.. كما أنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي يشكل أكثر من 25% من الاحتياطي العالمي حيث أعلنت المملكة أنها تسعى حالياً إلى رفع طاقة الإنتاج إلى 12.5 مليون برميل يومياً خلال الفترة من 2006 إلى 2009م كما قامت ببناء طاقة إنتاجية عالية تنتج أكثر من مليوني برميل يومياً غير مستغلة لمواجهة نقص الإمدادات كما قامت بالمشاركة في محطات تكرير البترول في الأسواق الرئيسة وبناء أسطول ناقلات ضخم لغرض ضمان استمرار تدفق الزيت إلى تلك الأسواق، وبذلك تظل المملكة ملتزمة بالوفاء بحاجة السوق كما كانت ملتزمة في السابق وهناك جهود مكثفة لحث الدول الأعضاء في أوبك على رفع سقف الإنتاج لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار.
وفي ظل هذه الظروف يجب أن نعي جيداً أن سعر النفط المنخفض يؤثر على إيرادات الدول المنتجة مما يؤدي إلى إعاقة فرص التنمية خصوصاً في مراحل الصناعة البترولية وهذا بالطبع سيؤثر على سلامة وأمن الإمدادات كما أن السعر المرتفع يؤثر على اقتصاديات الدول المستهلكة وعلى نمو الطلب العالمي لذا فإن التغييرات الحادة في الأسعار لا تخدم على الإطلاق الدول المنتجة أو المستهلكة ولا الاقتصاد العالمي ككل مما يستدعي تكاتف الجهود لتحقيق الاستقرار في السوق البترولية.
e-mail:info@othaim-int.com