تحت أجنحة الظلام
وبين جنبات الليل المظلمة
حين أخفت سحابة عابرة ضوء القمر الخافت
حينها هدأ وميض النجوم
فبزغ ضوء الفجر
لتختفي خطوط السراب
ويزاح الستار عن مسرح الحياة
لتظهر الحقيقة كما هي
فهناك في مكان ما
ترى حمامة بيضاء
تحمل بمنقارها بضع رصاصات إلى مكان ما
وفي زاوية أخرى من زوايا تلك الكرة الأرضية
ترى أحد أغصان الزيتون
الذي كان يوماً ما رمزاً من رموز السلام
قد جفَّ بعدما تعب من كثرة ما تنقَّل بين أيد كثيرة
لم يخل أي منها من دماء الأبرياء ودموع الثكلى
وهناك في مكان ما تجد طفلاً
قد استبدل هواية جمع الطوابع بهواية أخرى
لم تكن موجودة قبل هذا الزمان!!
فها هو يسير هنا وهناك
بحثاً عن بقايا رصاص الرشاشات
وبقايا شظايا القذائف
التي سقطت على قريتهم الهادئة قبل ساعات
نعم.. هذا هو جزء بسيط من شريط هذه الحياة
فهذا الزمان لم يعد بالزمان المناسب
لتقرأ كتاباً ما عن أسباب السعادة
أو أن تتفرَّغ لحلِّ بعض الكلمات المتقاطعة
ولنقل إن أقل ما يمكنك فعله
هو أن تستبدل كتابك المفضَّل (دع القلق وابدأ الحياة)
بآخر أكثر جدوى منه وليكن (دع الحياة وابدأ القلق)
وحين تنتهي من قراءة الكتاب الأخير
تستطيع أخذ استراحة قصيرة في شرفة منزلك
لتستمتع ببعض عادم السيارات والمصانع
واستنشاق أنواع لم تكن موجودة من الغازات السامة
ولدت يوماً لتجد نفسك مجبوراً على استنشاقها
بعد ذلك تستطيع قضاء وقت ما أمام شاشة التلفاز
لتشاهد بعض أنواع الحروب التي لم تجدها من قبل
وتتعرَّف على أحدث أساليب القصف والتدمير
وحين تمل من هذا وذاك يمكنك تصفّح إحدى المجلات
التي لم تعد مهتمة
سوى بنشر آخر أخبار صفقات التسليح
وأهم ملفات الجاسوسية
بعد ذلك يمكنك الخروج
لتتمشى قليلاً على شاطئ مجاور
ولكن يجب أن تتزيَّن لذلك فتلبس
البنطال المخطط والبزة المرقّطة
ولا تنس قبل هذا وذاك!!
أن ترتدي السترة الواقية من الرصاص!!
لأنك قد تتعرَّض لإطلاق النار في أي وقت
وقد تكون تهمتك محاولة الذهاب في نزهة!!
حينها فقط يمكنك أن تفضّل البقاء في منزلك
وأن تفكر جدياً في العودة للنوم مرة أخرى
ولكن قد ينبهك طفلك لتستيقظ حواسك مرة أخرى
عندما يوجه لك سؤال يعدّ في الحقيقة قذيفة مدمرة..
لا تستغرب حينما يقول لك طفلك أبي:
لماذا قتل الجندي هذا الطفل..؟!
حينها لن يكون هناك حل أمامك
أفضل من أن ترسم ابتسامة كاذبة على محيَّاك
كتلك التي نراها كثيراً في حياتنا
وتقول له: بني اذهب للنوم وعندما تكبر ستعرف!!
حسناً الآن فقط يمكنك الاستغراق في النوم
واستكمال الحلم الجميل
فهنا في قريتنا الخضراء
مزارع استيقظ على صياح الديك
ليحمل فأسه متوجهاً إلى أرضه
يزرع ليأكل الآخرون
وهناك أطفال ملأت البسمة محيَّاههم وهم يسيرون
مجتمعين إلى مدارسهم يتسابقون ليلاقوا الأحبة
وعلى ضفة النهر هناك حمل وديع
قائم ليشرب من مياه النهر
حيث يجلس ذلك الشاب
يتأمل مياه النهر العذبة
ليفزع فجأة على صوت صفارات الإنذار
التي تحذِّر من الغارات الجوية
هنا فقط سوف تكون مجبراً على أن
تستيقظ من الحلم الجميل
وتعيش الحقيقة شئت أم أبيت
فأنت ممن ولدوا في القرن العشرين
حيث نحن نعيش هنا
حيث لن تسمع بهذه الكلمات
وفاء، صدق، حب، صداقة،
عطف، أخوة، رحمة، طبيعة،
جمال، إنسانية، مبادئ، عهود،
حينها ما عليك سوى أن تعود للأحلام
وتتمنى أن تبقى تحلم حتى تكتب نهايتك
إما على قذيفة صاروخية لم تجد هدفاً سواك
أو رصاصات ملَّت البقاء في المخازن
فأرادت الخروج لترى ألوان الدماء
أو تكون نهايتك رحيمة فتكون إحدى ضحايا قذيفة نووية
أو أحد أنواع الغازات السامة التي تعددت أنواعها
وأساليبها في القضاء على الإنسانية
وبات الكل يتفاخر بامتلاك الأنواع الفتَّاكة منها
ولكن لا تهتم فقد قيل يوماً:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعدّدت الأسباب والموت واحد
pressuqu@hotmail.com