Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/01/2009 G Issue 13257
الاربعاء 17 محرم 1430   العدد  13257

أمة في خطر
د. زايد بن عجير الحارثي

 

حينما أصدر الكونجرس الأمريكي عام 1982م تقريراً لدراسة مهمة عن حالة التربية في أمريكا بعد عدة سنوات من الاستقصاء وصلت خلاصة التقرير إلى أن أمريكا في أزمة في ذلك الحين بل وفي خطر من الناحية التربوية وقد صدر عن ذلك المشهور Nation at Risk الذي بقي سنوات عدة مثاراً ومجالاً للكتابة والتوقف عنده ليس في داخل أمريكا وحسب بل وعلى مستوى العالم،

وبعد ذلك التقرير وجهت السياسات والإجراءات والمصادر والموارد المالية والبشرية الأمريكية للتركيز على الخلاص من ذلك الكابوس للارتقاء والنهوض بإصلاح التعليم في أمريكا بالمقارنة بالدول والأمم المتقدمة مثل اليابان وألمانيا والسويد وغيرها ذلك؛ لأن المشرعين والمخططين الأمريكيين آمنوا بدور التربية في النهوض بأمتهم والارتقاء بها إلى مصاف المنافسة واستمر التحسن إلى أن أصبحت أمريكا هي المتربعة على عرش السيطرة والتحكم في العالم اليوم.

واليوم وبعد الأحداث المتتالية والمصائب والنكبات على أمتنا العربية والإسلامية من احتلال واعتداءات ونحن كشعوب وحكومات نتفنن في ندب الحظوظ والتشميت والصياح والبكاء والعويل. لقد طالت الاعتداءات - وآخرها ما يحدث الآن لإخواننا في غزة والتي تعتبر جريمة حقيقية وإبادة جماعية - البنى التحتية المادية والمعيشية وكذلك البنى الأخلاقية والتربوية بل والهوية برمتها ومن ثم فقد وجدت إيراد القصة السابقة لحالة أمريكا في ظل الخلل التربوي للاستشهاد على وضعنا المأساوي الحالي فإذا كانت أمريكا توقفت عند حالة التربية على أهميتها وخطورتها في بناء الأمة، واعتبرت الأمة برمتها في خطر فما بالنا ونحن نتعرض للخطر الحقيقي حيث إننا نعيش في خطر البقاء أو الفناء، الصيرورة والهوية فأصبحنا نتخبط من التعرف على هويتنا هل نحن عرب؟ أم نحن مسلمون ! أم كلاهما !! أم لا شيء؟؟

أليس هذا هو السؤال الذي يحدّث به كل شخص نفسه، في كل لحظة من لحظات المشاهد المرعبة للإبادة والتسلط والجبروت الصهيوني على إخواننا العرب وإخواننا المسلمين؟؟ بل وفي كل لحظة لصحوة الضمير أو لحظة التأمل والمحاسبة نتساءل عن مصداقية تلك الادعاءات ولو أخذنا معيار الحمية العربية أو الفزعة لما يجري لوجدنا فشلنا الذريع كأمة عربية في الدفاع عن إخواننا المعتدى عليهم في غزة ولو أخذنا معيار النصرة من قبيل (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) لوجدنا فشلنا في هذا الدور (باستثناء المساعدات المعنوية والمالية والصحية والغذائية) وفي كل المقياسين نجد فشلنا كأمة في حماية إخواننا عرباً ومسلمين من العدوان وصد الهجوم بل وربما ساهم البعض مع الأسف الشديد عن قصد أو غير قصد في إلقاء لوم الاعتداءات على الضحية، فإخواننا في غزة الآن ينطبق عليهم المثل الإنجليزي Victims of Victimization فهم ضحايا قضية وضحايا إخوانهم وضحايا ازدواجية المعايير الأخلاقية والقانونية الدولية التي تساوي بين الضحية والجلاد بل وتتهم الضحية وتشجع الجلاد كما يحدث الآن من الدول الفاعلة في العالم.

إن الخطر الذي أعني هو خطر يتمثل في الانهيار النفسي والانهيار القيمي والانهيار الأخلاقي وذلك بعد حدوث الانهيار المادي والحياتي. والآن هي يختلف اثنان على حالة الأزمة التي يعيشها كل فرد عربي أو مسلم كيف يتجرأ علينا الحفنة الباغية الطاغية من الصهاينة على أبناء أمتنا ولم يحسبوا حساباً لأي عربي أو مسلم؟؟ على كثرة عددنا وعدتنا؟؟

إننا يجب أن نتوقف مفكرين وعلماء وكتاباً ومشرعين عند حالة الخطر الذي نعيشه والمستقبل الذي ينتظرنا، فما هي أعراض ومظاهر الخطر الذي أدعيه وكيف تدارك أمتنا نفسها؟؟

من مظاهر هذا الخطر أننا لا ندرك حقيقة أننا في خطر لأننا لا نتوقف عند محاسبة ومراجعة أنفسنا ومجتمعاتنا، على سبيل المثال فنحن نؤمن بوجوب الانتماء والاعتزاز بالهوية العربية والإسلامية وفي نفس الوقت نعيش حالة من العجز والشعور بالخزي من عدم المحافظة على هذه الهوية فلا نستطيع رد المعتدي أو نصرة الأخ المظلوم أين الهوية الواحدة؟؟

لماذا نجد الأمة الهندية يحسب حساب الاعتداء عليها وكذلك الصينية والروسية والأوروبية وقبل ذلك الأمريكية وحتى الجماعة الصهيونية وهي ليست بأمة يتحدّون نحو هويتهم (من كل الأطياف) ويتحدّون نحو الدفاع عن قيمهم واعتداءاتهم!؟

هل شاهدنا حروباً أو صراعات تقع بينهم وبخاصة في أوقات الأزمات؟؟ وفي المقابل لماذا العرب والمسلمون هم الذين يستضعفون ويعتدى عليهم ولا تظهر خلافاتهم وصراعاتهم وشماتتهم لبعضهم إلا في أحلك الظروف وفي أوقات الأزمات. إن خطر الأمة يتمثل في مظاهر وأعراض عديدة لا يسرني مع الأسف أن أعرضها ومنها:

1- التناقض في الاتجاهات والسلوك

في القول والعمل وفي الإيمان والتطبيق فنجد أننا على مستوى الأفراد نؤمن بالتعاطف مع المسكين ونؤمن بضرورة دفع الزكاة والصدقات ولكننا نتراخى في دفعها أو القيام بها. نؤمن بالعمل المهني واليدوي ولكننا لا نرضها لأبنائنا وأقاربنا ولا نشجعهم على الالتحاق بها. نؤمن بواجب الجار وقول الحق ولكننا نتحفظ في الممارسة أو نمتنع، نؤمن بنصرة المظلوم والمكلوم ولكننا على أرض الواقع متخاذلون أو نتهرب من أداء الواجب، نؤمن بالمشاركة بإماطة الأذى عن الطريق ولكننا لا نقوم به، ونؤمن باحترام الطريق وحقوق الغير في الدور في قضاء المصالح ولكننا نتسابق في إنهاء مصالحنا قبل غيرنا ممن سبقنا في التزام الدور وهكذا. وعلى مستوى الأمة نجد أن صراعات القيم والصراعات بين الاتجاهات والسلوك لدى الأفراد تجتمع لتشكل هوية المجتمع والأمة التي تعلي القيم الفضلى تحت شعارات كبرى في تجمعات مؤسساتية أو فئوية أو طبقية ولكنها تتوارى في ساحات الاختبار الحقيقي أو الميداني فنشاهد معظم شعاراتنا السامية والجميلة تتوقف عند التنظير وتترك للآخرين التنفيذ.

2- عزو النتائج لغير أسبابها

إن أفراد هذه الأمة كذلك السمة الغالبة على هويتها أنه يطغى عليها الهروب من مواجهة الذات ومواجهة الآخرين. فمن لديهم ضعف الشعور بالنفس أو فقدان الثقة بها يلجأون إلى الهروب من مواجهة الحقائق أو التبصر بها فهم دائماً ينسبون الفشل أو عدم النجاح إلى أسباب خارجة عن ذواتهم وأنفسهم إلى مصادر خارجية وما ينطبق على الأشخاص ينطبق على الدول والمجتمعات النامية أو إن شئنا قلنا المختلفة حيث إن ما يواجهنا من نكبات أو مصائب يكون تفسيره أن ما يلحق بنا من أضرار ومصائب هو بفعل الأعداء وقوى الشر خارج حدود المنطقة التي تتآمر عليها منذ زمن. نعم قد يكون في هذا شيء من الصحة ولكن ليس السبب الحقيقي لها إنما ينطبق عليها تماماً قول الشاعر:

نعيب الزمان والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

إن حقيقة تدهورنا وتكالب الأعداء علينا يعود في الأساس إلى فرقتنا وتغليب المصالح الفردية والشخصية على المصالح العليا فالوحدة دائماً Unity هي أحد أسرار المناعة والمقاومة والقوة وفي هذا يقول الشاعر:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

وإذا افترقن تكسرت أحادا

إن الأعداء لا ينفذون إلى أحد إلا من خلال استراتيجياتهم التي تقوم على مبدأ الفرقة والانقسام للخصم، وهذه أحد أسرار انتصارات إسرائيل على الأمة العربية قاطبة على مر الستين سنة الماضية.

3- الهزيمة النفسية: Psychological defeat:

إن أمتنا (وهي مجموع الأفراد والشعوب) وبناء على تتالي الحروب النفسية والمادية والأمية المستفحلة والنكسات المتتالية والتخذيل من الصديق قبل العدو وقبل كل ذلك ضعف الإيمان والاعتقاد فقد وصلت الأمة إلى شعور عام باليأس والإحباط والهزيمة النفسية التي ترى أن لا أمل في الاعتماد على الذات وعلى مكوناتها ومقوماتها الفردية والجماعية والقومية ولا أمل في المطالبة بالحقوق المغتصبة ولا أمل في الدفاع عن النفس. إنه شعور عام بالهزيمة نتيجة لتفاعلات الخبرات ولقلة الوعي أو انعدامه بالمقدرات والإمكانيات المادية والبشرية والمعنوية التي يمكن أن تقلب الخسائر والهزائم إلى نصر وتمكن لو تم إدراكها والعمل بمقتضاها. ومن علامات هذا الشعور بالهزيمة ترويج أسطورة (الجيش الذي لا يقهر) مع أنه في تجارب عديدة ومواقف مختلفة ثبت أنه يهزم وبأبسط ما يكن تصوره كما حدث في لبنان وقبلها في حرب رمضان حين تحرير سيناء وكما هو قادم بإذن الله.

كيف تخلص الأمة مما فيها من غُمة؟

إن هذا السؤال يستحق أن يكون عنواناً لمقالات بل لندوات ومؤتمرات ودراسات عن طريق المنظمات والمؤسسات العربية والإسلامية بدءاً من وزارات التربية والإعلام ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وانتهاء بالمجالس التشاورية والوزارية حتى يصار إلى وضع استراتيجيات قريبة وبعيدة المدى تهدف في نهايتها إلى إعادة حق الأمة في حفظ هويتها وصحوتها وممارستها لدورها الحقيقي بين الأمم... ولكن أترك لنفسي الآن ولمقتضيات تحقيق أهداف هذا المقال أن أضع بعض التصورات والرؤى لإيقاظ الأمة من رقادها وإزالة الغشاوة عن عينها:

1- أن نتحرر من تسلط الأفكار والمعتقدات الباطلة التي تلهينا وتشغلنا عن حقيقة هويتنا وولاءاتنا حيث قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} آل عمران:110، وأن نكون الأمة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لنا نعتز بقيمنا ورسالتنا المحمدية وما تقتضيه من أفعال وممارسات تغلّب القيم المعنوية على المادية والجماعية على الفردية والعامة على الخاصة وتنتصر للمظلوم وتحق الحق وتدعو بالتي هي أحسن وتدفع الحسنة بالسيئة وتؤكد على أن يد الله مع الجماعة.

2- أن نؤمن بأن محاسبة النفس ومراجعتها مبدأ أساس من مبادئ الإيمان تؤمن به البشرية وتمارسه وهو عنوان للصحة النفسية والعقلية ولا تستقيم الحياة السوية بدونه فضلاً عن تماسك المجتمع وقوته ومكانته. وهذه القيم التي نادى بها الإسلام وشاركه الديانات الأخرى تمارس مع الأسف في كثير من الأمم والشعوب التي تسمى بالمتقدمة على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي والشعبي والمؤسساتي كما أشرت إلى ذلك في مثال مراجع الحالة التربوية في أمريكا قبل ربع قرن ومراجعة أزمة النظام الاقتصادي في الوقت الحاضر، ولكننا في شعوبنا الإسلامية والعربية لا نزال نعيش حالة الانفعال والتفاعل بحسب المواقف وبحسب ما نتعرض له دون أن نأخذ في الاعتبار الدروس والعبر دون أن نعي بقيمة إصلاح النفوس مما فيها من علل قبل إصلاح المجتمع وأن إصلاح النفوس ليس قيمة فقط بل مبدأ وإستراتيجية ورسالة وهدف.

3- التربية... التربية... التربية فإن أحد ركائز إصلاح الأمة هو إصلاح النظام التربوي الذي فشل في دفع الأمة إلى مجاراة الأمم والحافظ على هويتها ووحدتها وتماسكها وصحتها الجسمية والنفسية وإبداع أبنائها واستقلالية فكرهم وأصالته.

وإلى أن يصح ضمير الأمة وتقرر أن يتم العمل على مشاريع وبرامج إعادة إصلاحها ونهضتها والتي تأخذ وقتاً طويلاً قد تنقرض فيه الأمة - لا سمح الله- وتذوب هويتها في الآخرين، فلعلنا نتفق على الحدود الدنيا من التماسك والحمية والنخوة والفزعة لإخواننا وأبناء أمتنا الذين يتعرضون للقصف والاعتداءات والحصار والجور والظلم في فلسطين وغيرها وأن لا نكون أقل نصرة من الإخوة المسلمين في تركيا أو إندونيسيا أو ربما شعوب العالم الحر التي تسهم وتشارك في رفع الظلم بالقول والعمل.

وأختتم بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}سورة الحج:39 ولله عاقبة الأمور.

للتعليق والتعقيب:

E-mail: zozmsh@Hotmail.Com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد