Al Jazirah NewsPaper Friday  16/01/2009 G Issue 13259
الجمعة 19 محرم 1430   العدد  13259
استراتيجية دعوية شاملة لتحصين أبناء الأمة
المؤسسات الشرعية في مواجهة الفكر الضال وتيارات التغريب!

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

لا أحد ينكر خطورة الفكر الضال القائم على التكفير والتفجير والإرهاب وسفك الدماء والاعتداء على الحرمات، ولا أحد ينكر الخطر الذي يشكله الفكر الانحلالي التخريبي، الذي يدعو للتجرد من القيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد، ولا يأبه بالدين ولا بالعقيدة، فكلاهما خطر على الأمة وثوابتها ومعتقداتها.

وبيّن (الفكر الضال) و(تيارات التغريب) تقف المؤسسات الشرعية والتربوية لتواجه الخطرين معاً وتحصن أبناء الأمة من آفاتهما، فما هي المحاور التي يجب على المؤسسات الشرعية السير من خلالها لمواجهة تيارات الغلو والتخريب والانحلال؟! وهل هناك استراتيجية لمواجهة التيارين المتناقضين في التوجه والأدوات، ولكن يجمعهما أنهما حرب على أمة التوحيد!

التقينا باثنين من أستاذة الدعوة وأصول الدين والعقيدة لمعرفة كيفية مواجهة هذين التيارين.

تأصيل منهج الحق

في البداية يؤكد د. محمد بن سعيد السرحاني - وكيل كلية الدعوة وأصول الدين للدراسات العليا بجامعة أم القرى، أن المجتمعات الإسلامية تعيش في هذا الزمن فترة ازداد فيها ظهور تيارات متناقضات، الأول: تيار الغلو والتشدد والتطرف.. والثاني: تيار الانحلال والتغريب والانهزامية.

ولا شك أن كلا التيارين منحرف وزائغ عن المنهج الحق والعدل والوسطية الذي جاءت به الشريعة الإسلامية والذي ميّز الله تعالى به أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأمم فقال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، ومنهج الوسطية هو منهج العدل الأقوم والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع وبين التفريط والتقصير فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما الإفراط والتفريط؛ والاعتدال والوسطية هو منهج الحق وهدى الأنبياء عليهم السلام ومن سار على نهجهم أهل السنة والجماعة في العقيدة والعبادة والأخلاق والتربية والإصلاح.

ولن يكون الحديث عن مكانة منهج الوسطية والعدل والقسط ولا عن من خالف الوسطية من التيارين المنحرفين في العبادة أو السلوك والأخلاق ولا عن أسباب ظهور هذين التيارين، ولا عن مظاهرهما ونتائجهما، إنما الحديث سيكون عن دور المؤسسات التربوية الشرعية في تأصيل منهج الحق وتوجيه شباب وفتيات الأمة المنجذب بين هذين التيارين وفي إحياء المنهج الإسلامي الحق والوسط في جميع شؤون الحياة إذ غياب أو تقصير المؤسسات التربوية عن هذا الجانب يُسلم المجتمع إلى الطرق المنحرفة من وسائل إعلام تروج لهذين التيارين المنحرفين، ونرى أن من واجب المؤسسات الشرعية في هذا الباب يتمثل في المحاور التالية:

أولاً: تعظيم مكانة النصوص الشرعية في قلوب النشء وبيان مدى الانحراف العقدي والتربوي المترتب على الانحراف عن هذا المنهج.

ثانياً: بيان منهج السلف في التمسك بالثوابت والأصول وعدم الحيدة عنها، مع توضيح منهجهم هو التلقي والاستدلال وفي فهم النصوص الشرعية.

ثالثاً: بيان مكانة العلماء الربانيين وإظهار منزلتهم والتحذير من التعدي عليهم أو انتقاصهم.

رابعاً: تأكيد مبدأ العزة بهذا الدين في نفس المسلم وأن العلو والغلبة للمسلمين، وأهل المنهج العدل والوسط.

خامساً: بيان مخاطر الغزو الفكري ووسائله وسبله وكيفية مواجهته.

سادساً: بيان حقوق غير المسلمين في البلاد الإسلامية والهدي النبوي في التعامل معهم.

سابعاً: إشاعة ثقافة الحوار الشرعي المنطلق من أصول إسلامية.

ولعل هذه المحاور والأهداف تحققها المؤسسات الشرعية في محاضن التعليم بتأصيل هذه المنطلقات والأصول في المناهج الشرعية والتربوية وإرساء هذه الأصول والمفاهيم في مناهج الثقافة الإسلامية، وإقامة المحاضرات لتأصيل منهج الوسطية والندوات والمسابقات العلمية في هذا المجال مع المشاركة الفاعلة في وسائل الإعلام المتعددة بل والعمل على إنشاء وسائل إعلام تربوية متخصصة في إشاعة منهج العدل والوسطية لتكون البديل الشرعي الطاهر المأمون عن بعض وسائل الإعلام المنحرفة.

التوحيد الخالص.. أولاً

ويقول د. فهل بن سعد المقرن الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن أعظم أمر أمركم الله به هو توحيده سبحانه وعبادته وحده لا شريك له ولأجل هذا الأمر خلق الله الخلق واستعمرهم في الأرض يقول وقوله الحق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)}، قال عبدالله بن العباس رضي الله عنه وعن أبيه: يعبدون أي يوحدون، فإن فعلوا ذلك استحقوا من الله موعده بدخولهم الجنة والنجاة من النار وذلك هو الفوز العظيم والنعيم المقيم.

ودعوة التوحيد هي دعوة الأنبياء عليهم السلام جميعاً فكل نبي يبعث في قومه يدعوهم إلى هذا الأصل العظيم والركن الركين يقول وقوله الحق: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون}.

وهذا التوحيد لا يتحقق إلا بصرف العبادة كلها لا يشرك مع الله في العبادة أحد كائنا ما كان لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال التي شرعه الله لعباده على لسان رسله، فالدعاء والذبح والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والاستغاثة والصلاة والتوكل وكل العبادات الظاهرة والباطنة تصرف لله لا شريك معه أحد فيها {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، فمن صرف شيئاً من هذه العبادات لغير الله فقد وقع في الشرك الذي نهى الله عنه وحذر عباده من الوقوع فيه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار}.

وقد جاء القرآن والسنة ببيان هذا الأصل من وجوه شتّى ثم صار أمر أمة محمد إلى ما يرى من الإخلال بهذا الأصل، أظهر لهم الشيطان الإخلاص لله في صور تنقص الصالحين فمن أمرهم بالتوحيد ونهاهم عن الشرك رموه بالتنقص من مقام الأولياء والصالحين، وأظهر لهم الشيطان الشرك بالله في صور محبة الصالحين وهذا باب من أبواب الشيطان دخل به على الأمم السابقة قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، قال ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قولهم إن نصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت.

كل مسلم يجب عليه أن يحذر الشرك وأسبابه وذرائعه حتى يلقى الله بالتوحيد فينال موعد الله بالمغفرة قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لاتيتك بقرابها مغفرة) وقال صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة).

ومن أصول الدين العظيمة الاجتماع في الدين والنهي عن التفرق، وهذا لا يكون إلا بتوحيد الله عز وجل فنهانا الله أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا في آي كثير من كتاب الله يقول الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة في ذلك عن ابن عباس يرويه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)، ثم صار الأمر إلى افتراق الأمة بسبب الإخلال بهذا الأصل ولا نجاة لأحد ولا لأمة محمد إلا بالاجتماع على التوحيد والبراءة من الشرك وأهله.

ومن الأصول العظيمة التي يجب على كل مسلم معرفتها إن تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشياً، فكان من شعار أهل السنة والجماعة أنه لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، عن عبدالله رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وعن أبي إدريس الخولاني يقول: (سمعت حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم. فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. فقلت له: بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في هذا الأصل قد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً شائعاً بكل وجه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به.

ولأجل الإخلال بهذه الأصول العظيمة حصل التغير في حياة الناس الدنيوية والدينية ولا صلاح للأمة إلا بالعودة إلى وصايا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.

ومن تمام نعمة الله علينا في هذه البلاد أن نعيش في ظلال التوحيد الوارفة وفي رحمة الجماعة وفي نعمة وجود إمام المسلمين بيننا وكل من يسعى إلى الإخلال بهذه الأصول العظيمة فهو إنما يجر البلاد والعباد إلى القلائل والفتن ويريد أن يبدل الأمن بالخوف والجماعة والفرقة.

وكلما أحدث الناس تغيراً في هذه الأصول غير الله عليهم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فاحرصوا عباد الله على أمر التوحيد حتى تلقوا الله به ومن أراد بحبوبة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد