Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/01/2009 G Issue 13263
الثلاثاء 23 محرم 1430   العدد  13263
ثلاثية
أنظمة الخليج العربي في الإعلام الإيراني (حول زوايا النفوذ)
د. سعد البريك

 

تتعدد الزوايا التي ينطلق منها الإعلام الإيراني في هجومه على أنظمة الخليج فتارة ينطلق من زاوية الشعوب المقهورة في الخليج وتارة من التساؤل عن شرعية الأنظمة ووجودها وتارة من النفط وتداعياته السلبية على الاقتصاد الإيراني.. وكل هذه الزوايا تُصنف ضمن دائرة الشؤون الداخلية لدول الخليج!

لكن هناك زاوية أخرى يركن إليها الإعلام الإيراني بشكل دائم ويجعل منها منطلقاً أساساً لإبراز إيران.....

.....كقوة عظمى حامية للشعوب الإسلامية ومدافعة عن حقوقها ووجودها!! وفي الوقت ذاته منطلقاً للهجوم على أنظمة الخليج وتسفيه أحلامها: إنها زاوية فلسطين ولبنان والوجود الأمريكي في المنطقة!!!

فالإعلام الإيراني يردد صباح مساء وينوه بجهود إيران في دعم المقاومة اللبنانية في وجه الغطرسة الصهيونية ويصفق للمواقف الإيرانية الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لإسرائيل ومحرقتها وفي الوقت ذاته يلعن مواقف الدول العربية قاطبة وأنظمة الخليج بخاصة لمواقفها في هذا الصدد!! ويلعن اليوم الذي قبلت فيه دول الخليج بالوجود الأمريكي في المنطقة ويُحمِّلها تبعات وجود الشيطان الأكبر على أرض المنطقة!!

ويجمع المحللون على أن المؤسسة السياسية الإيرانية لها أكثر من وجه في التعاطى مع ملفات المنطقة وهذه حقيقة وليست مجرد تحليل سياسي لمواقف وتصريحات دبلوماسية إيرانية غامضة, بل هو واقع يرونه رأي العين في مواقف إيران من قضايا المنطقة وتعدد الوظائف التي تمارسها إيران بتناقضات صارخة يعجز من لا يعرف (البطن السياسي والعقدي) لإيران عن فهمها!! وقد أسلفت في المقال السابق شيئاً من المشاهد التي تؤكد هذا الأمر!

فإيران حين يتعلق الأمر بفلسطين مثلاً يعتلي سياسيوها منابر الخطب كأنهم منذر جيش صبحكم ومساكم! وفوق رؤوسهم آية قرآنية كتبت (بالبنط العريض):(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا) يتنادون بتحرير فلسطين وحرق إسرائيل وحليفها الشيطان الأكبر أمريكا ويتباكون على مواقف العرب وخذلانهم للقضية الفلسطينية! بل ويتهمونهم بأنهم ضالعون حتى النخاع في بيع القضية!!

هذه الخطب الإيرانية العنترية النظرية على المنابر فيما يخص فلسطين!

أما على أرض الميدان والعمل وتحديداً ما يخص العراق فإيران تتقاسم وظيفة الاحتلال مع أمريكا (الشيطان الأكبر)! في إطار شراكة شبه كاملة أُزهقت في ظلها الأرواح ونُهبت الخيرات وهُجِّر من خلق الله العراقيين ما يفوق سكان فلسطين عدداً مشردين على الحدود وفي سوريا ودول الخليج وأوروبا ولو فتح لهم الطريق إلى فلسطين لقصدوها طلباً للأمان وهرباً من جحيم العراق وتنكيل الجيش الأمريكي!!

فصورة إيران على المسرح السياسي العملي هي التحالف مع الشيطان الأكبر وعلى المسرح السياسي النظري هي القطيعة مع الشيطان الأكبر وعلى المسرح الإعلامي تظهر إيران بطلة المنطقة فيما تعتبر أنظمة الخليج مجرد أنظمة يجب أن تزول!! هذا حال إيران الإعلامي والسياسي!!

هذه الصورة الغارقة في التناقض يجعل منها الإعلامي الإيراني لوحة فنية زاهية الألوان لا تناقض فيها بل تظهر فيها إيران كدولة عظمى هيمنت على المنطقة وفرضت وجودها فيما تظهر أنظمة الخليج مجرد دويلات حليفة للشيطان الأكبر! كما صرحت بذلك وكالة فارس المقربة من النظام قبل شهر تقريباً في خضم أزمة السيد محمد باقر الفالي المبعد من الكويت بحسب ما ورد في جريدة الجريدة الكويتية!!

لكن الحقيقة هي أن اليد الإيرانية التي تمسح جرح فلسطين بخطابات عنترية جوفاء غارقة في الدبلوماسية هي ذاتها اليد التي تمتد إلى الشيطان الأكبر في العراق وأفغانستان وتمارس القهر بالحديد والنار على مرأى من العالم أجمع.. هذه الصورة هي الحقيقة التي يهمشها الإعلام في إيران ويجمع عليها المحللون والمراقبون.

وفي هذا السياق هناك حقيقة يجب التنبه لها وهي أن الخوف كل الخوف ليس من الإعلام الإيراني وحده فليس له من القنوات المباشرة ما يستطيع به اختراق صفوف السنة بالقدر الذي يطمح إليه وإنما الخوف من وكلائه!! والمتعاطفين معه الذين يتعاطون مع مواقف إيران بترويج أجندته أو على أدنى تقدير بتساهل كبير على حساب ثوابتهم الوطنية والدينية ويرون من خلالها أن ما تقوم به إيران في العراق هو منطق بطولي يعكس ذكاءها ومراعاته للمصلحة!! وأن مواقفها من قضايا الأمة في مجملها مشرفة وهو ما يفرض دعمها حسب زعمهم!!

وهذا التبرير من قِبل وكلاء إيران وفي ظل هجومها الإعلامي على الخليج وبعث مشروعها التوسعي يُعتبر جناية في حق الانتماء الوطني حتى لو كان تسويغه يأتي في سياق الدعوة إلى الحوار والتقارب!!!

نعم نؤيد علاقة صداقة وشراكة مع إيران ونؤيد مزيداً من الحوار والتقارب والتعايش والشراكة في ظل برنامج حد أدنى تُوقر فيه الثوابت وتُراعى فيه السيادة لا سيما ونحن نسير في اتجاه الحوار مع الجميع!! لكن عن أي تقارب سنتحدث إذا كنا في مرمى مشروع إيراني (مشروع تصدير الثورة) يستهدف وجودنا واستقرارنا ونظامنا وأمننا!! وعن أي (مشروع تقارب) أمني وعسكري واقتصادي وسياسي سنتحدث إذا كنا سنظهر مجرد أقزام تحت رحمة الإمبراطورية الفارسية العظمى ذات أسلحة الردع النووي!! أي ثقة متبادلة معها ستكون وإيران تبدي استعدادها للتحالف مع الشيطان لزرع فتيل الطائفية في الخليج كما حصل في العراق!

نريد من الإعلام الإيراني أن يكشف لنا عن حقيقة المشروع الإيراني الذي تم بعثه مؤخراً (مشروع تصدير الثورة) وعن سر الهجوم الكاسح على دول الخليج وهل تصريحات السيد علي خامنئي النافية لبعث هذا المشروع مؤخراً ستكون الأخيرة أم لمجرد ذر رماد مفاعلات أصفهان في عيون الخليج!؟

كما نريد منه أن يبرز لنا دور إيران في دعم المشاريع الغربية في المنطقة لا سيما الرامية إلى تفتيت دول الخليج وزرع الطائفية فيها!

كما نريد منه أن يشرح لنا طبيعة الدور والشراكة التي تربط بين أمريكا وإيران في أفغانستان والعراق هل هو دور مقاوم لوجود الشيطان الأكبر أم داعم لوجوده؟!!

وإذا كانت إيران لا تتحمَّل وزر إعلامها ومواقفه وتصريحاته وترى له حرية التعبير في جو الديمقراطية الإيرانية فنحن أيضاً إنما نجري مسحاً إعلامياً لما يقوله الإعلام الإيراني نفسه ونحكم عليه من خلال أقواله وتصريحاته وفوق ذلك لنا بعد السرد أن نقرأه سياسياً في ضوء مواقف إيران وسلوكها الواضح ليطلع عليه الرأي العام!... وكذلك الخاص!

سؤال نختم به المقال: إلى أي مدى يستطيع إعلامنا في دول الخليج أن يكشف قضايا الوجود السني ومعاناتهم في إيران وحدودها؟

***




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد