Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/01/2009 G Issue 13264
الاربعاء 24 محرم 1430   العدد  13264
مركاز
تكاليف الراحة!
حسين علي حسين

 

أكدت إحصائية (حسب مجلة المجلة - العدد 1501) أن 15% من أطباء ألمانيا يعانون من إدمان الكحول أو العقاقير وأن 200 طبيب ينتحرون سنوياً بسبب ضغوط العمل..!!

هذه المعلومة القصيرة والمهمة أصبحت للأسف تعم أرجاء العالم الراقي والعالم السفلي على حد سواء، مع أن هذه الظاهرة منذ سنوات طويلة كانت قصراً على المهمشين في كافة المجتمعات بسبب القهر الذي يجدونه من أرباب العمل وبسبب ساعات العمل الطويلة وتدني الأجور، وسابقاً كان بسبب العبودية حيث العمل تحت ضربات الكرباج وحيث النوم مع البهائم.. أما الآن فقد تساوت الرؤوس، أصبح المتعلم أو الثري يبحث عن الإدمان أو التعاطي لأنه حقق كل شيء ولم يبق له بعد ذلك سوى الفراغ، السهر حتى الصباح والنوم حتى المساء ولا شيء جديد، فلماذا لا يكون الذوبان في الكحول والعقاقير هو الجديد!

إن الدول التي تزيد فيها حالات الانتحار، يندرج أهلها ضمن الطبقات الاجتماعية التي يتوفر لأفرادها الراتب الجيد والعلاج والمعونات الاجتماعية وكل ما يحتاجه الإنسان ليبقى سعيداً ومطمئناً ليس لديه هم من هموم الغد، مثل توفير التعليم والسكن والوظيفة للأبناء، فكل شيء لهؤلاء الناس محسوب بدقة متناهية، حتى العاطل يجد راتباً آخر الشهر وسكناً يؤويه ومستشفى يعالجه حتى يجد عملاً وغالباً انتظاره لا يطول، فمن يدفع له، يبحث له عن العمل، لكي يحصل على المعونة بعده، مستحق جديد، مجتمع مثل هذا معاناته لا تكون من ضغط العمل أو قلة الأجر أو البطالة أو عدم توفر سرير لابنه أو زوجته أو عدم وجود كرسي في المدرسة أو الجامعة لأحد أبنائه، لكن معاناته بعد كل هذه المزايا، تصبح من الراحة، فللراحة أيضا تكاليفها، وتكاليفها الفراغ القاتل، وقلة الأصدقاء، وبرودة العواطف، والروتين الممل، كل هذه تدفع أحيانا إلى الإقدام على العديد من الممارسات الخاطئة، أبرزها الانتحار والإدمان على الكحول أو المخدرات!

في الدول الراقية يشغل العقلاء من الميسورين أو من الذين يحصلون على معاش، أوقات فراغهم بالخدمة العامة لعدة ساعات في اليوم، هناك من ينظم حركة السير أمام المدارس أو خدمة المرضى أو مراقبة ملوثي البيئة، ومنهم من يقضي الساعات في ممارسة الألعاب الرياضية بكافة أشكالها وهناك الذين يقضون سنوات تقاعدهم في جولة حول العالم لمعرفة عادات وشعوب ودول لم يعرفوها وربما لم يسمعوا بها، هؤلاء يكافحون الفراغ بطريقتهم الخاصة الراقية والمفيدة، والتي تجعل من الحياة بعد التقاعد حياة جديدة تستحق أن تعاش.. بل إن هناك العديد من المتقاعدين الذين يهاجرون من مدن الرفاهية أو الكفاية إلى أدغال آسيا أو أفريقيا لتقديم العون الصحي والتعليمي لأهلها، وهم سعداء بهذه الرسالة الإنسانية التي يقدمونها مجانا، لأناس في أمس الحاجة لها، ورغم كل هذه الرفاهية والخطط التي تضمن لمواطن الدول الراقية أن يعيش حياة يسودها الأمن الاجتماعي والثقافي والتعليمي والصحي، إلا أن هذه الدول تعاني من آفتي الكحول والمخدرات، حتى إن بعض الدول تقدم الكيف بالبطاقة للمدنيين ريثما يستطيع الطبيب المعالج سحب السموم من أجسادهم!

في الدول النامية آفة الإدمان أكثر بشاعة وتدميراً، خاصة في الدول التي يصنف أفرادها ضمن الفئات المرتفعة الدخل، حيث باتت المخدرات تلعب بالشباب من الجنسين، حتى ضاقت المستشفيات والعيادات بمرتاديها، وحتى تسممت البيوت الآمنة فأصبحت الأم تخاف على أبنائها من الأب المدمن أو الأخ المدمن.. أما الدول الفقيرة فلها سمومها التي تتناسب وطاقتهم المادية، وهي سموم تفتك سريعاً بمتعاطيها.. لا أتمنى زيادة المستشفيات أو العيادات الخاصة بمدمني المخدرات أو الكحول أو حتى التدخين ولكنني أتمنى أن نزيد من وتيرة البرامج أو المناشط التي تبعدنا قدر الإمكان عن هذه الآفة التي للأسف لم ينج منها لا غني ولا فقير.

إنها مثل الموت، باتت توزع بالعدل والقسطاس، مع فارق جوهري، هو أن الموت بيد الله سبحانه وتعالى، أما الذهاب إليه بطوعنا واختيارنا فهو ضد إرادة الله وإرادة المجتمع الطامح إلى الرقي في كافة مجالات الحياة!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد