Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/01/2009 G Issue 13265
الخميس 25 محرم 1430   العدد  13265
الحبر الأخضر
الانتصار على الذات
د. عثمان بن صالح العامر

 

فرق بين من يعرف الخير والشر ويملك القدرة على التميز بينهما وبين من يعرف الخيرين والشرين ويملك القدرة على التميز والاختيار بين خيري الخيرين وأقل الشرين،، فرق بين من يتحدث عن نفسه وبين من يتحدث عن أمته ويوجعه ألم الصغير قبل الكبير، فرق بين من يتبرع باسمه ومن يقدم ما يقدم باسم شعبه الذي يشرف بهذا الوسم على صدره، وفرق كبير بين الانتصار للذات والانتصار على الذات، الأول هو السائد والمألوف بل ربما يكون سجية وطبعا للكثير منا، والأخير أمر صعب لا تستطيعه إلا النفوس الكبيرة التي تحمل هماً أعظم بكثير من شعور الانتقام للذات أو المراهنة في المواقف التي تستشعر أنها أضعف مما هي عند ذاتها أوفي علاقتها بمن حولها وتتوق ومن باب حب الذات أومن أجل مصلحة خاصة قاصرة ألّا تنكسر أو نتهزم!!، ولذا كان الانتصار على الذات وعدم الانتقام لها محل إشادة وتقدير في العرف الأخلاقي منذ زمن الفلاسفة وحتى اليوم، وقبل هذا وذاك هو خٌلة تستحق الذكر والتبجيل لمن هم كذلك حتى في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان خلقه القرآن فقد ذكر عنه أنه ما انتقم لنفسه قط، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنْتَهك حرمة الله فينتقم لله تعالى). وللتاريخ فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يضرب لنا في كل منعطف وعند كل أزمة أممية أو اختراق لسفينتنا العربية ما يبرهن به على أنه رعاه الله هو من ينتصر على ذاته من أجل أمته، هو من جاء إلى سدة الحكم وهو يحمل مشروعا مؤسساتياً استراتيجياً، مبني على رؤية واضحة وخطط مختلفة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، مشروع وحدة وسلام أساسه الحوار ومنطلقه العقيدة الصحيحة وهدفه تحقيق العدالة بين بني الإنسان، نعم العقبات ثيرة وتركت مشاريع النهضة العربية المختلفة تركت ثقيلة، والمشكلة أن هناك منا من يعمل في الخفاء لخرق السفينة وإضعاف القوى وزرع الاختلاف بيننا لحاجة في النفس الله أعلم بها، والأدهى والأمر وجود الرويبضة النمام الذي يسوق ويمارس الإقناع والتزوير للحقائق سواء السياسية أو الشخصية أو الاقتصادية أو غيرها، وذلك من أجل أن تبقى الأمة في زمن التشرذم والشتات، والأشد والأنكى تشرب نفوس بعض منا وتقبل ما يحاك والتسليم به دون تحقيق أو تمحيص، رغم ما يترتب على هذا الصنيع من ثمن باهظ سيدفعه الجميع الشعوب والقادة على حد سواء، لقد قال حفظه الله كلمة فصل في ثنايا خطابه التاريخي يوم الاثنين الماضي حين أعلن الصفح عما سلف وكان، فالمرحلة التي يمر بها العرب والمحنة التي وقعت على إخواننا في غزة والدم الحبيب الذي ينزف على أرض فلسطين أغلى من كنوز الدنيا وليس لنا إلا طريق الوحدة ونبذ الاختلاف بعد المصارحة والصدق مع النفس، لم يكن الخطاب خطاباً عاطفياً كما يبدو للبعض من بعض عباراته وجمله بل هو خطاب العقل الذي لا بد أن نسمع له ولو كان مرا، خطاب النور بعد أن عشنا زمناً في جنح الظلام، ولذا ولكونه من قلب صادق يعيش المرارة بكل أبعادها لذا كان التفاعل معه من قبل القادة العرب تفاعل إيجابي ومباشر وخرجت القمة بعكس ما كان يتصور لها، ولكن يبقى المهم في حقنا نحن الشعوب، ماذا بعد، إننا مطالبون مثل القادة تماماً أن نكون صادقين مع أنفسنا نوحد الصف ونجمع الكلمة وننبذ الفرقة ونشجع كل حسب موقعه في جسم أمتنا الغالية نشجع التعاون البناء والعمل المنتج ولنترفع من المهاترات والصراعات والنعرات التي تثور بين الفينة والأخرى هنا وهناك، ولتتبنى جامعاتنا ومؤسساتنا الفكرية والتربوية والثقافية الحوار بين الأشقاء والمؤتمرات المشتركة، ولنقرأ قراءات نقدية واعية مشاريعنا النهضوية وشعاراتنا الجماهيرية التي صارت أثرا بعد عين وذلك من أجل تجاوز المرحلة النفسية المنهزمة التي وقعنا تحت طائلتها سنين عديدة إلى أفق التفاؤل بجيل الغد الذي ينشد مجد البناء النهضوي الصحيح المرتكز - كما هو مشروع خادم الحرمين الذي ينشدها ويتمناه - على العقيدة الصحيحة والمؤسس على الحوار الحر والمتكئ على الإخوة والوحدة وسلمت لنا أيها الرمز الأبي ودمت عزيزاً يا وطني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد