Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/01/2009 G Issue 13265
الخميس 25 محرم 1430   العدد  13265

هكذا تكون المواقف يا خادم الحرمين الشريفين
د. عبد المحسن بن وني الضويان

 

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

حفظك الله يا خادم الحرمين الشريفين وبارك الله في أعمالك الخيرة لقد أثلجت صدورنا وأرحت نفوسنا وشفيت غل قلوبنا بكلمتكم الضافية في مؤتمر القمة الاقتصادي في .....

.... الكويت الذي حولت أحداث غزة المؤلمة إلى قمة سياسية وإنسانية، هذه الكلمة يجب أن تكون بحق وثيقة هامة من وثائق هذه القمة، لم تكن الكلمة مدرجة على جدول الأعمال ولكنها فاقت كل ما قيل في هذا الاجتماع الهام، لقد كنت بمستوى المسؤولية كقائد عربي مسلم عظيم بما احتوته كلمتكم -حفظكم الله- من مبادرات كانت الأمة العربية والإسلامية بأمس الحاجة إليها، لقد دعوتم إلى المصالحة ونبذ الخلاف وقلتم لقد تجاوزنا مرحلة الخلاف وفتحنا باب الأخوة للجميع دون استثناء كل العرب وهذا مطلب أساس قبل أن يتخذ أي قرار حول أحداث غزة، إذا ما فائدة أي عمل إذا خرج من رحم الانقسام والخلافات؟ استفادت إسرائيل من التوترات بين أعضاء جامعة الدول العربية وانقسامهم إلى معسكرين أحدهما يسمى دول الاعتدال والأخرى دول الممانعة وعمل الأعداء جهدهم على توسيع هوة الخلاف بين هذين المعسكرين والنفاذ من الفجوة بينهما، أي بين الأشقاء العرب وظنت إسرائيل واهمة أنها قد واتتها الفرصة للانقضاض على الإخوة الأعزاء في غزة.

لم تفهم إسرائيل المعتدية الوضع العربي وأن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى مهما كان الاختلاف بين الدول العربية. ألم تكن إسرائيل هي المعتدية والمحتلة منذ عام 1948م؟ أليس القدس الشريف والمسجد الأقصى تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967م، فكيف يهدأ بال أي عربي أو مسلم بالوضع الراهن خاصة وإسرائيل ماضية في اعتدائها ومحاصرتها للفلسطينيين، ألم يقل بن جوريون لا يوجد فلسطيني طيب والفلسطيني الطيب الوحيد هو الفلسطيني الميت؟ ألم تقل جولدا مائير عندما سئلت عن فلسطين أي فلسطين؟ لا يوجد دولة بهذا المسمى، لكن الله غالب على أمره ها هي قضية فلسطين حية في قلوب الجميع بل أقوى من قبل.

أعود إلى كلمتكم -حفظكم الله- حيث بادرتم بالمطالبة برأب الصدع وتقريب وجهات النظر المختلفة وتجاوز كل ما يعكر صفو الأخوة العربية والإسلامية، لقد قلتم إن الخلاف بين الإخوة الفلسطينيين أخطر من حرب إسرائيل الآثمة على فلسطين وقد أصبتم كبد الحقيقة وتحدثتم بلسان الواقع. صمود المقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها وتوجهاتها أمر في غاية الأهمية في مواجهة آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، ما كان لهذا الغزو والاعتداء الظالم على غزة أن يتم لولا الفرقة بين الأشقاء الفلسطينيين التي وجدت ذريعة في إنهاء الهدنة بينها وبين حماس لتعلن الحرب دون إعطاء وقت للجهود الدبلوماسية لتمديدها. الآن بمبادرتكم الكريمة سينتهي هذا الخلاف بإذن الله إلى الأبد لقد أرادت إسرائيل أن تقضي على أحد الفصائل فاستعدت الجميع من فلسطين وعرب ومسلمين ودول صديقة بل وحتى دول ترى في إسرائيل دولة ديمقراطية، فأحرجتها بهذا العدوان الآثم، عصابة الإجرام والقتل والتدمير التي لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبها لا ترغب في السلام ولا العيش بأمن مع الفلسطينيين كما تدعي، لأنها تعرف بأنها ستذوب مع الزمن وتصبح تاريخاً للظلم الإنساني بأقسى معانيه، لذلك هي تؤجج الخلاف وتسرف في العقاب وتكسر كل الأعراف والمواثيق والمعاهدات في سبيل تحقيق غايتها الدنيئة. استخدمت أسلحة محرمة دولياً وأسلحة في طور التجريب أمام شعب أعزل قطعت الأطراف وأعمت العيون ويتمت الأطفال ورملت النساء وأدمت القلوب ولم يسلم أحد من شرها، مناظر تشاهدها في المحطات الفضائية تقشعر منها الأبدان تشعرك بالغثيان، كانت الأيام الماضية كئيبة ثقيلة كلها حزن وألم وخوف وإحباط. لقد كثر المزايدون وتجار الكلمة ودهاقنة الكذب والافتراء في حب فلسطين والرأفة بهم واتهام الآخرين بالتقصير بل وحتى التواطؤ مع العدو حتى بدأ بعضهم للأسف يصدق هذه الأقاويل الباطلة، ثم شاء الله لهذا الليل الحالك السواد أن ينجلي، فإذا بكم -حفظكم الله- تحيون الأمل في نفوس الإخوة في غزة بعد أن يئسوا من مساعدة إخوتهم في العالم العربي فكنتم لهم خير معين -بعد الله، لم يكن موقفكم صمتاً طالبكم الراقصون على الأشلاء والمتكسبون من مآسي إخواننا في غزة بالخروج منه بل كان حكمة وعقلاً وعملاً صادقاً في صمت بعيداً عن المهاترات والمواقف الجوفاء، ثم جاء موقفكم النبيل في قمة الكويت ليضع النقاط على الحروف وكانت مفاجأة للجميع إلا لنا لأننا في المملكة تعودنا مثل هذه المواقف الإنسانية، ها هي الدولة التي تتهم باللامبالاة والتقصير أثبتت بقيادتكم الحكيمة أنكم أسياد الموقف ليس قولاً ولكن فعلاً فدعوتم أولاً إلى المصالحة وأنكم في هذا الظرف العصيب فوق مستوى الخلافات بل هي صغائر تترفعون عنها وأتبعتم القول بالعمل وفتحتم قلوبكم وبسطتم أيديكم لمن اختلف معكم لنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الأشقاء العرب، قلوب صافية ونوايا صادقة، ثم توجهتم إلى الإخوة في فلسطين بالنصح والطلب منهم لنبذ خلافاتهم والالتفاف على نوايا إسرائيل الشريرة في القضاء عليكم متفرقين.

ولقد عبرتم بصدق ونقلتم بأمانة ما يختلج في صدورنا تجاه عدونا وسميتم ما يحدث من عدوان ووصفتموه بالوصف الحقيقي وهو أن دولة إسرائيل عصابة إجرام وحقد وتنكيل وإفراط غير مبرر في استخدام القوة ووجهتم لها تحذيرا بأن المبادرة العربية التي هي في أصلها مبادرة سعودية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد، بل هي قابلة للسحب وعدم الالتزام من قبل الدول العربية بعد أن وجهت لها ضربات قاتلة بدأها سيئ الذكر شارون واستمرت إلى الاعتداء الأخير على الإخوة في غزة. بما في ذلك الحصار المميت وبناء الجدار العازل وتوسيع المستوطنات وجرف أشجار الزيتون وغيرها من العراقيل التي وضعتها إسرائيل في طريق تطبيق المبادرة.

وبعد ذلك جاء الموقف الإنساني لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بالتبرع السخي الذي عجزت عنه الرجال الأشداء وأثبتم أنكم القلب الرحيم الذي عصره الألم وهو يشاهد ممارسات دولة البغي والعدوان الذي لم يسلم من أذاها حتى الشجر والحجر ناهيك بالإنسان وخاصة الأعزل الذي تحرم المواثيق الدولية الاعتداء عليه لكن دولة بني صهيون تجاوزت كل ذلك لتشمل الأطفال الرضع والشيوخ والنساء والعجزة وحتى المرضى في مستشفياتهم والمصابين وهم ينزفون دماءهم ولم تسلم أماكن العبادة من صواريخهم ومدافعهم المدمرة. تبرعكم هو الأضحم الذي لم يحرز عليه دولة سوى المملكة العربية السعودية، وتوجتم هذا التبرع باللفتة الإنسانية الكريمة بأن أكدتم أن هذا التبرع لا يساوي شيئاً مقارنة بأرواح ودماء الإخوة الأعزاء في غزة، ولكنها مساهمة علها تخفف من الأوضاع المؤلمة لهذا الشعب المظلوم وتمسح دموع اليتامى والأرامل والثكالى وتعيدهم إلى بيوتهم بعد تعميرها، وإعادة البنية التحتية التي عملت قوات الإجرام الإسرائيلية على تدميرها خلال الأسابيع الماضية بأسلوب منهجي متعمد.

لقد أحرجتم أعداءكم من الناعقين ببعض الفضائيات الذين يصبون جام غضبهم وحقدهم على المملكة بمناسبة وغير مناسبة ويشككون بمواقفكم الخيرة، نعم لم يستطع هؤلاء إلا الصمت الذي تجاوزوه أحياناً وعلى استحياء إلى الإشادة والتقدير، كيف لا ومن يستطيع أن يحجب نور الشمس بأصابعه؟، لقد تعودنا من أرباب هذه الفضائيات الغمز واللمز للمملكة حتى من أناس كنا نحسب فيهم الدقة والاعتدال، فإذا بهم لأسباب لا نعرفها يركبون موجة النقد للمملكة وكيل التهم بها بالتقصير.

الغريب أن الدول التي تتهم المملكة بالتقصير لم تفعل شيئاً على أرض الواقع لإيقاف العدوان سوى الخطب الرنانة وتحميل الآخرين المسؤولية ومحاولة تهييج الشعوب على حكوماتها، وفي المقابل قامت الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها المملكة بالوقوف موقفا إيجابياً من الأزمة منذ نشأتها وقد كان للجهود الحثيثة التي قامت بها المملكة ممثلة باتصالاتكم -حفظكم الله- برؤساء الدول العربية والإسلامية والصديقة، مدعوم بدبلوماسية المملكة ذات الثقل العالمي المعروف، وأيضاً ما قام به صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بتوجيهاتكم - حفظكم الله- قد أثمرت باستصدار قرار مجلس الأمن ذي الرقم 1860 رغم التوقع باستخدام حق الفيتو من قبل بعض الدول مثل أمريكا التي تعودنا منها هذه السلاح في كل أمر يتعلق بإسرائيل مهما كانت أعمالها جائرة ولكنها هذه المرة وبفضل الله ثم بفضل جهود المملكة وغيرها قد آثرت السكوت وحسناً فعلت. ومر القرار على خلاف ما كان متوقعاً.

ترى هل يعي الآخرون الدروس من دبلوماسية المملكة وسياستها الحكيمة بالعمل الجاد الهادئ الفاعل دون إحداث ضجة واتهام الآخرين أو محاولة الرد عليهم؟ نقول لعل وعسى، هذا درس بليغ نتمنى أن يستوعب وأن تكون الحكمة والعمق السياسي واتحاد المواقف هي السبيل الأمثل للمطالبة بالحقوق وإقناع الآخرين من الدول الصديقة والمحبة للسلام بعدالة قضيتنا في فلسطين العزيزة على قلب كل عربي ومسلم.

حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ووفقهم دائماً لعمل الخير للجميع والله من وراء القصد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد