Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/01/2009 G Issue 13265
الخميس 25 محرم 1430   العدد  13265
ما الذي تغير؟
ناهد الحسن

 

أحقاً أن من عاش وحيداً يموت وحيداً؟

ومن تعود الصبر تعود الناس إيذاءه!

وهل من عاش في الظلام بانتظار بزوغ الفجر لا يظهر الفجر لديه فقد اعتاد على الظلام؟

هذا ما تفعله كل مساء تعود لتتناول عشاءك بسرعة ثم تجلس في المكان نفسه الذي اعتدت الجلوس فيه أمام شاشة التلفزيون، هذا الجهاز لازمك لأطول فترة في حياتك تتنقل من قناة لأخرى طوال الليل متسمراً بلا حراك، لا تريد سماع ضجة أو شكوى ولا تريد الخوض في أي حديث، فالآن هو وقت التلفزيون، وقد لا تجد خبزاً للعشاء لكنك لن تخرج لجلب أي شيء فقد عدت لتوك من الخارج.

تتفاعل بكل مشاعرك وحواسك مع ما يعرض على تلك الشاشة، تعبس، تبتسم، تضحك، تتحرك للأمام، تحرك يديك كمن يضرب شخصاً. ليتهم يقيمون مسابقة لمن يمكث فترة أطول أمام التلفزيون لكنت الفائز الأول فيها، الساعة الثانية أو الثالثة صباحاً تنهض للنوم في فراشك، أو تكسل جوارحك فتنام حيث أنت بعد أن تطلب الغطاء.

ليس من مهامك السؤال عن أهل بيتك وليس من مسؤولياتك أخذ طفل للطبيب أو إحضار الدواء له.. جلوسك الطويل على الأريكة أمام شاشة التلفاز أحدث انبعاجاً في الإسفنج المصنوعة منه فتطلب تبديل الأريكة بأخرى لتتابع جلوسك المريح في المكان نفسه الأنسب لمشاهدة الأحداث المثيرة والأفلام الغربية والأغاني الهابطة وكل ما هو غث ولا داعي للسمين، في الصباح أعجز عن إيقاظك فتقوم مكتئباً عابساً، لا تعرفين كيف توقظيني!

وإن أرسلت أحد أبنائك لإيقاظك نال نصيبه من الصراخ والتقريع وقلت لي لا ترسلي هذا الغبي لإيقاظي إنه لا يعرف كيف يوقظني.

تتجهم في وجه من تراه منهم وتطلب منه الابتعاد عن طريقك يقفون أمام السيارة حتى تكمل ارتداء ملابسك لإيصالهم للمدرسة ومن تأخر منهم فلا داعي لأن يذهب لمدرسته فتذهب وتتركه يبكي حظه العاثر الذي حرمه من الذهاب للمدرسة وعندما تعود يكون عقابه الشديد بيدك المريبة.

ولن تنفع توسلاته لديك لتوصله للمدرسة فاليوم لديه اختبار ولن يقوم المدرس بإعادة الاختبار للغائبين لكن هذا لا ينفع معك ولا يقدم ولا يؤخر شيئاً فعليه أن يتحمل مسؤولية تأخره.

تعود للنوم حتى موعد ذهابك لعملك وأعود لمهمة إيقاظك التي لم أعرف للآن طريقة لها. عند الظهيرة تتناول غداءك وتنام بعد أن تصرخ في الجميع: لا أريد أي صوت فليذهب كل واحد إلى غرفته.

أما يوم الخميس فهو يوم راحة ونوم حتى المساء ثم تلتقي بجهازك الحبيب لما بعد أذان الفجر والويل لمن أراد طلباً للمدرسة والثبور لمن تسول له نفسه بطلب الخروج للنزهة، والكارثة تحل على رأس من يطلب إيصاله لمكان ما.

صباح الجمعة يبدأ النوم حتى ما بعد العصر وقد تخرج وحدك وقد يأتي أحد أصدقائك لزيارتك لتبدأ السهرة الهادئة حتى ساعات الصباح الأولى، هذا روتين أسبوعي قد تعودت عليه ولا يمكنك تغييره ولا تقبل أي مناقشة لتبديل أحد بنود اتفاقك مع الشيطان، الكره لكل موجود منهم والعبوس لمن فكر أن يكلمك.

فما الذي تغير الآن بعد أن انفصلنا وقررت أنا البقاء في البيت لرعاية أبنائي، فلا رغبة لي بتكرار تجربة مريرة وزواج نكد.. ما الذي تغير بالنسبة لك؟

لا شيء فمكانك هو تلك الحجرة اللعينة أمام شاشة التلفزيون التي صنعت لتسلية الناس فانقلبت بلاء وثبوراً على كثير من البيوت.

تدخل حجرتك وتغلق بابها خلفك كي لا ترى أحداً وقد لا نشعر بدخولك البيت فلا نعلم هل حضرت أم لا.

قد تكون مبكراً وقد تكون السهرة من نصيب شياطين الأنس الذين تذهب إليهم فلا نعلم متى تعود بعد نومنا.

ما الذي تغير بالنسبة لنا؟

هو الزوج نفسه الموجود الغائب الذي زاد غيابه وزاد ابتعاده فلم يعد يشعر بشيء أو بأحد ممن حوله.

أتكون يداي التي حاكتا تلك النهاية؟

ألأنك اعتدت قيامي بكل مسؤولياتك تجاهي وتجاه أولادك؟

أيكون صبري الطويل على تلك المعاملة الجافة السيئة بانتظار أن تنتهي نزوة الشباب وتفيق لمسؤولياتك تجاه عائلتك؟ أكان يجب أن أنهي تلك العلاقة المتصدعة التي تربطنا باسم الزواج.

لكن خوفي من ضياع أولادي هو ما جعلني أصبر بانتظار الفرج وعدم رغبتي بأن يتربى أبنائي عند زوجة أب أو زوج أم، ألأنني اعتدت الوحدة والصبر وعدم الشكوى؟

ها قد مضى العمر وما أسرع ما انقضى وما اعتدت الشكوى لأحد قريب أو بعيد فإلى الله أشكو بثي وحزني وهواني على الناس وبصبري أرجو الأجر والعفو من الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد