Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/01/2009 G Issue 13267
السبت 27 محرم 1430   العدد  13267
لما هو آتٍ
في سفاراتنا حزم ضوء..
د. خيرية إبراهيم السّقاف

 

أكيد إنّ الإنسان يمثل نفسه، خلقه ووعيه، وثقافته, ومبادرته، وقدرته على اتخاذ الموقف حيث يكون وما يكون، بأسلوبه الخاص يضفيه إلى ما بين يديه من أنظمة وتعليمات ولوائح، وتوجيهات, فيجعل صعبها سهلاً, وبعيدها قريباً, وعثراتها سراباً, ومشكلها وضوحاً،... بمثل ما هو أكيد بأنّ الإنسان كلّما تقوقع خلف منصبه، واستتر بحرّاسه, وحفظ عن ظهر غيب سطور مسؤولياته في شكلها اللفظي، ولم يبسط وقته أمام طارئ، ولم يمنح الآخر من هو دونه منصباً أو له حاجة عنده من وقته ليسمعه, أو يتح له لقاءه ليناقشه, أو من صلاحياته ما يلقي عن كاهله ثقل العثرات، أو يذلّل له دروب ما يجهل وييسّر له ما يصعب، فإنه أيضاً يمثل نفسه من جهة ويوسم دائرته بصفاته من جهة أخرى, لذلك توسم المناصب بأشخاصها، وتعرف المواقف بساستها، وتوصف الأبواب بمن يجلس بينها، آمراً ومأموراً..

وتشتّد عين الشمس تسلّطاً على من يجلسون في مقاعد ترتبط بمسؤوليات مباشرة تخص فئات من الناس أو أوسع حدوداً تماماً كمسؤولي التعليم، والصحة، والمواصلات، والاتصالات، والقضاء, والأمن، بل الإعلام أيضاً.. ناهيك عن مسؤولية كل مسؤول بدءاً بالعامل في حقله، والقائد في جيشه.. تلك السمات وهذه هي منظومة الأخلاق ..، فأخلاق المرء تتمثّل في سلوكه الخاص والعام وتحديداً عند مواجهة عمله والأفراد المتعلّق به أمرهم... فإذا كان العربي بحكمته يقول: (ارسل حكيماً ولا توصه) يرمي بالحكمة الخلق الذي يرجح حسن التصرف في الموقف, وحسن التصرف عن خلق جميل لا يكون أثره إلاّ نتائج موجبة وآثاراً مؤثرة..

هنا ينتصر المرء لنفسه ولعمله ولمن يتعامل معه...

وكثيراً ما تدعوني المواقف لأن أتعرف مسؤولين يتوقّع عامة المتعاملين معهم، أنّ من الصعوبة الوصول إليهم واقتحام أوقاتهم، فما بال بتحقيق إجابات فورية تتعامل مع الموقف بما يرضي صاحب الحاجة، سواء بتنفيذها أو بالإقناع عنها..؟.. ومن خلال هذه المواقف تكبر الثقة في نفسي بوجود نماذج رائعة ممن يكابدون في أعمالهم والبسمة على شفاههم وصدورهم مشرعة للآخرين، وأبوابهم لا يصدها مدراء ولا يغلقها حراس.., يجعلون من النظام بوصلة ومن اللسان درباً..

آخر نموذجين تعاملت معهما في الفترة الأخيرة من مسؤولين وطنيين في الخارج، هما سفيرنا في كوريا الجنوبية الأستاذ عبدالله العيفان، إذ مثل الوطن في موقف مشاركة صادقة، عند وجودي بجامعة هانكوك والجمعية الكورية العربية للتواصل في المنتدى الأول للأدب الكوري العربي، بروح جعلتني أشعر في الموقف بأنني الوطن.. وثاني النماذج الأستاذ الدكتور فهد الحبيب الملحق التعليمي الثقافي بسفارتنا في ألمانيا الذي كان حاضراً بإحاطته بكل شؤون طلاب البعثة وتفاصيل أمورهم.. حاضراً بيقين الثقة، ومرونة التذليل لتعثراتهم.. وهو الذي لم يصعب الوصول إليه ولم تقف الأبواب حاجزاً بينه وبين أمورهم.. بما أشاع الاطمئنان بينهم ومنحهم الفرصة للدراسة في هدوء وحماس لمقابلة رقي المبادرة منه، نموذجان فخمان للمسؤول الإنسان حين يكون خلقه الجميل هو مقود سلوكه ومنتج إنجازاته....




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد