Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/01/2009 G Issue 13268
الأحد 28 محرم 1430   العدد  13268
ممر
تحريم الفن!
ناصر صالح الصرامي

 

يقترب الآن من دخول العقد السابع الحدث الذي يأسف له، حصل قبل أكثر من 20 عاماً، في يوم جمعة بعيد، حين سمع الوعظ والوعيد من الخطيب بخصوص أهل التصاوير والرسم والتماثيل ومن تبعهم.

الخطبة خصت معاصي التصوير، وتساهل الناس فيها وأثرها على العقيدة، ويتذكر كيف كانت عينا الخطيب تدمع وصوته يتبدل، وهو يذكر أصحاب التصوير والمصورين بعذابات القبر ووعيد الحساب.

يقول: (خرجت من المسجد، واتجهت إلى البيت مباشرة. أفرغت حقيبة خاصة تحوي أكثر من 600 صورة، نزلت بها لحديقة المنزل وأحرقتها، دون أن أفكر حتى بإلقاء نظرة وداع، وسط دهشة الصغار قبل الكبار وحزنهم. الآن وحين يذكرني بها الأولاد، أو يسأل الأحفاد عن الصور أصاب بحرج كبير، خصوصا حين تبدأ نظراتهم تخترقني وكأنهم يقولون: (لم يكن لك الحق في اتخاذ قرار يتعلق بذكرياتنا، تاريخ العائلة ونموها، لوحدك، وأن تحولها إلى رماد).

هناك قصص مشابهة حدثت لأصدقاء مع تسجيلات لأغاني قديمة، واسطوانات نادرة، وتصوير فيديو، أحرقت جميعها في لحظة خوف، أو ريبة، أو شك، أو تردد، سمها ما شئت.

تذكرت هذه القصة، وأنا أطالع خبر قيام الملحن السعودي سراج عمر بجمع كل ما تحتويه مكتبته الفنية من أعمال سمعية وبصرية ورميها في النفايات.

الأكيد أننا قد خسرنا -ولو جزئياً- ثروة هامة في تاريخ ومسيرة الفن السعودية، لكن العزاء في مكتبات الإنترنت، والمنتجين الذين يحفضون أعمال لحنها وشارك بها، مما سيخفف الخسارة.

إلا أن المشكلة تكمن في أسلوب تجريم وتحريم الفن لأسباب نفسية، وقناعات متقلبة، مع إشارات تصدر من فنانين أيقظوا الموسيقى السعودية وزفوها للعالم العربي، في بيئة تعاني من ضغط التحريم الفني والموسيقي أصلا، وهو ما يسهم فيه للأسف (تحجب) فنان.

مثل ما يحدث حين تستغل قضية التوبة) إعلامياً لتساهم في نشر فتاوى التحريم المتشددة بالرغم من وجود فتاوى أقل تشددا.

وأذكر قبل عشر سنوات وكنت أعمل حينها في دسك الأخبار المناوب بجريدة الرياض اتصل محمد عبده لينفي عودته للغناء بعد اعتزاله، ونشر الخبر في اليوم التالي بارزاً، لكن مع الوقت اكتشفنا أن محمد عبده فنان إعلامي ناجح، وليس معني بتجريم الفن، فقد قال مؤخراً إن 90% من الأغاني حرام.

وغيره يفعل لأسباب مختلفة مما يظهر أن رؤية الفن -لدى بعض من أهل الفن أنفسهم هشة، وقناعاتهم بسيطة مؤقتة، تهدم قيمة الفن الذي أسهموا في بنائه.

رحم الله طلال مداح الذي أمتعنا حتى آخر لحظة في حياته، وأسكنه فسيح جناته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد