Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/01/2009 G Issue 13268
الأحد 28 محرم 1430   العدد  13268
لما هو آتٍ
الأثمان...!
د. خيرية إبراهيم السّقاف

 

بمثل ما إنّ الإنسان يتمتع بحقه في استنشاق الهواء المباح حوله.., وزفير ما يطرده من بقاياه حين تكتفي رئتاه منه, وبمثل ما يكون من حقه أن يأكل ويشرب، ولكن من ماله أو وليه أو من أجاز له خالقه في غير اعتداء على غيره, فإنّ هناك مفارقة بين إباحة الهواء، وتقييد اللقمة والقطرة... إذ لا أتخيل أنّ المرء عليه أن يدفع ثمن الهواء الذي يستنشق، بينما لابد أن يدفع ثمن كل شيء يُستخدَم أو يُستهلك.. هذه كلها أساليب معاش ووسائل حياة..

كذلك أساليب التعبير.., أثمانها غالية, وتكاليفها باهظة، وإن كانت لا تحسب على ميزان العملات الذهبية والفضية ولا توزن بمقاييس وأحجام سواها..

هناك المباح في التعبير، كل كلمة وفعل طيب لا يترك أثراً سالباً، ولا يؤثر في نتيجة عكس ما يتوقع لها..

وهناك ما لا يباح من التعبير، حين يقابل قيده قيد الأرض التي لا يحق أن تبني عليها الدار ما لم تكن ملك ساكنها، ولقمته لا يصح له أن يودعها معدته إن لم تكن من عرقه أو وليه وجاره وصديقه وقريبه،..

ولأساليب التعبير قيودها تماماً كما هي شروط ما يباح للحياة وللمعاش فيها..

فالكلام يحيا ولا يموت أثره.., والفعل يبقى أثره ولا ينسى موقفه...

والميزان محكٌ لقدرة المرء في التمييز بين حرية نافعة.., وحرية مضرة..

على الرغم من أنّ الإباحة حرية.., تماماً كما هي حرية الهواء وهو يتنقل دون أن يقيده جدار.., أو يمنعه حاجز تراب.. أو وثيقة عرق أو لون..

لكنه معلمٌ قديرٌ حين يُمعن المرء في حكمة انتشاره وشيوعه الإلهية، وهو يتسرّب لرئته دون أن يقوى هو على أن يصده.., وإن هو فعل فإنّه آثم بالاختناق..

كثيراً ما ذهبت أتأمّل ما كُتب خلال اثنين وعشرين يوماً عمر الاعتداء على غزة الأبيّة...

تخيّلت حرية الهواء وقيد اللقمة..

تفكرت كثيراً في حكمة الله تعالى فيما منح الإنسان من ثروة الأمثلة تتحرك أمامه حين يحسن استخدام عقله.. وضميره.. أو لا يفعل...

ذلك سفر مليء بالمحبرات من وسائل التعبير سيكون لنا وثيقة لتتبع خيوط الهواء النقي، أو للوقوف عند ميزان القيود الثقيلة..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد