Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/01/2009 G Issue 13268
الأحد 28 محرم 1430   العدد  13268
شيء من
حرب غزة: الأرباح والخسائر
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

يتفق الحماسيون واليمين الإسرائيلي المتطرف، على أن (مذبحة) غزة لم تنجز أهدافها كما ينبغي.

الحماسيون يقولون على لسان خالد مشعل: إن مجرد عدم وصول إسرائيل إلى أهدافها (كاملة) هو نصر لنا. ويستشهد مشعل بحصار (ليننغراد) في الحرب العالمية الثانية، كما جاء في خطابه الأربعاء الماضي؛ حيث اعتبر (غزة) بمثابة (ليننغراد) الحرب العالمية الثانية، عندما حاصر النازيون مدينة ليننغراد أكثر من سنتين، وصمد أهلها أمام هذا الحصار، بعد أن تكبدوا أكثر من 800 ألف قتيل، حتى تمكن الجيش السوفييتي من فك الحصار، وهزيمة الجيش الألماني، واعتبرت هزيمة النازيين في ليننغراد بداية نهاية ألمانيا النازية.

اليمين الإسرائيلي المتطرف ممثلا في (افيجدور ليبرمان) رئيس (حزب إسرائيل بيتنا) يقول: إن عدم القضاء على حماس قضاء مبرما يعني أننا لم نستفد من عملية غزة العسكرية كما ينبغي، ويضيف في محاضرة ألقاها أمام طلاب جامعة (بار إيلان) ونقلها التلفزيون الإسرائيلي: (إن الحل موجود حيث يجب العمل بالضبط كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لا داع لاحتلال قطاع غزة). وهو يقصد هنا قصفها بالسلاح النووي!

حضور التاريخ، والاستشهاد به في الخطابين، بشير إلى العقلية (المتطرفة)، التي تقرأ التاريخ قراءة (رغبوية)، وتوظفه في مصلحتها، دون أن تأخذ أي اعتبار للاختلافات الجوهرية بين ظروف الأمس وظروف اليوم، والتباينات (الموضوعية) بين الحالتين، لتصبح المقارنة في المثالين مقارنة مع وجود الفارق كما يقولون.

وإذا كانوا في إسرائيل كما يقول مرسي عطا الله: (يقرؤون التاريخ على طريقتهم الخاصة، والدليل على ذلك هذا الجنون العدواني ضد الفلسطينيين العزل في قطاع غزة)، فإن المقاومين هم أيضاً يقرؤون التاريخ بطريقة غير موضوعية، ويتعاملون معه غير عابئين بموازين القوة والضعف، وفهم الواقع الذي يكتنف قضيتهم، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى العالمي، وأثر هذا الواقع على قوة وضعف المقاومة.

ورغم المآسي التي نتجت عن دمار غزة بالنسبة للفلسطينيين، إلا أن أكبر خسارة لحقت بالإسرائيليين هي حقيقة أن إسرائيل لم تعد مثلما كان يصورها الإسرائيليون في الماضي للعالم، مجرد (حمل) ضعيف تحاصره الذئاب من كل جانب، وإنما أصبحت دولة (مصاصي دماء) لا تعيش إلا على القتل ومص الدماء. هذه الصورة إذا عرف الفلسطينيون كيف يقدمونها إلى العالم، فإنها ستجرد إسرائيل من أهم أسباب دعمها، وتعاطف العالم معها، وسيجعلها هذا الواقع الجديد مضطرة إلى أن ترضخ مرغمة للسلام الذي تحاول دائماً التهرب منه.

غير أن تجسيد مثل هذه الصورة، وتقديمها للعالم أملا في استقطاب التعاطف و(الدموع)، تحتاج إلى خطاب جديد، ولغة جديدة، بعيداً عن التقوقع في (التاريخ)، والمكابرة واختلاق البطولات والعنتريات، وهذا ما تأباه حماس بقوة، وتصر على التحدي، والمواجهة المسلحة، وإدعاء النصر، ومقاومة الذبح بالذبح.

إن قوة الفلسطينيين الجديدة هي في ضعفهم، وضعف إسرائيل في (تغولها). وهذا في تقديري أهم ما خسره الإسرائيليون من حرب غزة وتداعياتها. بقي أن يعرف الفلسطينيون كيف يوظفون خسارة إسرائيل هذه في مصلحتهم. وظفوا (الدموع) والضعف و(تغول) إسرائيل في مقاومتكم، مثلما وظف الإسرائيليون (الهولوكوست) في قضيتهم، فهي أقوى وأمضى من ألف صاروخ وقذيفة.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد