Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/02/2009 G Issue 13275
الأحد 06 صفر 1430   العدد  13275

إعْصَار.. في الإعْسَار..؟!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

كتب إلي عدد من الإخوة والأخوات، المتضررين من ظاهرة (صك الإعسار التحايلي)، الذي يلجأ إليه بعض اللصوص والنصابين، بهدف التهرب من مطالبات المطالبين، والخلاص من ملاحقات أصحاب الحقوق. وهي ظاهرة بالغة الخطورة، ليس لها من تفسير سوى انعدام الضمائر الحية،..

وجرأة بعض الخلق في هذا الزمان، على أكل أموال الناس بالباطل، دون حياء أو خوف أو وجل، فلا وازع دينياً يردعهم عن الحرام، ولا تشريع قانونياً يوقفهم عند حدودهم.. نسأل الله السلامة.

قال الجبرتي: (الضمير.. هو ذلك الصوت الخافت، الذي يدوي أحياناً، فيقض عليك مضجعك).

لكن لا دوي يقض مضجع مدلس محتال، لأن لا ضمير لمثله.

* تقول واحدة من رسائل الإخوة والأخوات، الذين وقعت عليهم أضرار جسيمة من هذا القبيل، ويستصرخون المسئولين في الدولة، لإنصافهم من أولئك المتدرعين بصك الإعسار التحايلي:

* إن شريحة كبيرة من أبناء وبنات هذا الوطن الكريم، يعانون معاناة عظيمة، بسبب (صكوك الإعسار الاحتيالية)، التي تصدر عن المحاكم الشرعية، لعدد من المحتالين والنصابين، الذين يقوم الواحد منهم بجمع مئات الملايين من جيوب البسطاء، عن طريق مساهمة وهمية، أو شركة تشغيل وتوظيف للأموال، أو عن طريق غيرها من وسائط جمع الأموال. ثم يذهب بعد ذلك للمحكمة الشرعية، بعد انتهاء المساهمة، ويستخرج صك إعسار، يحميه من الملاحقات القانونية، بعد أن يقوم طبعاً، بتحويل الأموال المسروقة والعقارات وما في حكمها، إلى أسماء أشخاص آخرين يثق بهم، أو بعد تهريب تلك الأموال إلى بنوك خارج المملكة بما يتعذر معه على المحاكم الشرعية أن تصل إلى حقيقة ثروته المالية التي أخفاها.

* وحيث إننا نعلم يقيناً أنكم من الكتّاب الذين يحملون أمانة الكلمة، ومن أصحاب الأقلام المؤثرة في مسيرة هذا الوطن العزيز، نلتمس منكم، الإشارة إلى هذه الثغرة القضائية، التي تضرر بسببها الكثير من المظلومين، وذلك بكتابة مقال حول هذه الظاهرة الخطيرة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، لعل الجهات المعنية في الدولة، تلتفت إلى هذا الخطر الداهم، فتسرع بالحلول قبل النحول.

* لقد وقفت شخصياً على حالات في هذا السياق المؤسف، وعرفت أن عدداً من المحتالين، الذين يمارسون الكذب والتزوير، إنما يدلسون على المحاكم الشرعية، ويُلبِّسون على الناس كافة، بدعوى افتقارهم وعجزهم وعسرهم، وهم في حقيقة أمرهم يتهربون من إلزامهم بإعادة الحقوق التي وضعوا أيديهم عليها ظلماً وعدواناً، فمثل هؤلاء لا يستحون من الله أن يظلموا خلق الله، فكيف يستحون من خلق الله وهم يسرقون منهم ما وهبهم الله..؟! فمثلهم لا يُردعون إلا بأنظمة حقوقية محكمة، وأحكام شرعية نافذة، حتى يُقضى على تلاعبهم واستهتارهم واستسهالهم الوقوع في الباطل.

* إن قضية كهذه، لا يقف أذاها عند شخص معين، أو أشخاص محددين، ولكنها تمتد بالضرر الفادح، إلى شريحة عريضة من المواطنين، فتصل إلى أسرهم ومن يعولون. وإذا استفحل أمرها إلى أبعد مما هي عليه، فإنها سوف تُجريء المزيد من عديمي الضمائر، إلى اجتراح الكثير من المظالم، وبالتالي ارتفاع رقم المتضررين، وضياع حقوقهم، وشعورهم بالغبن والقهر، من سطوة الظالمين، وعجز المظلومين، في بلد يُحكِّم شريعة الله، ويرعى أموال الناس ودماءهم وأعراضهم.

* هذه الظاهرة غير الصحية في المجتمع، لحظها أعضاء مجلس الشورى على ما يبدو، فقد نشر بعض الصحف مؤخراً، ما يفيد إدراجها على جدول أعمال المجلس، مقترحاً الطلب والتوصية، بإيقاف إصدار أي صك إعسار، حتى يخضع للنظر والتدقيق، من قبل لجنة من وزارة التجارة والداخلية، أو من الإمارة وهيئة التحقيق والادعاء العام، والمحكمة العامة، ومحاسب قانوني، بحيث تدرس حالة من يدعي العسر، وكيف خسر المال؟ وأين صرفه؟ وهل تم كل ذلك في التجارة المتفق عليها بينه وبين شركائه؟ بموجب مستندات ووثائق، أو فواتير سليمة مصدق عليها من جهات التعامل. وإذا كانت الأموال قد صرفت في أمور خاصة، فلا يُعطى صك إعسار، ويسجن فترة طويلة، حتى يسدد ما عليه، إذا تبين عليه النصب والاحتيال واللامبالاة، وأخذ أموال الناس بالباطل.

* وجاء كذلك، أن مجلس الشورى، سوف ينبه إلى ضرورة التحرز من مسألة استغلال المعسر للصك في مشكلة أخرى غير التي صدر من أجلها، وسوف يقترح ختم الصك بهذا الخصوص، وفي حالة استخدامه الصك لأي غرض آخر، يسحب منه فوراً ويسجن.

* وأنا أتفق مع مجلس الشورى، ومع كافة المقترحات في هذا الاتجاه، وأود أن يُسرَّع بها، وأن تأخذ طريقها إلى الجهات ذات الاختصاص. كما أني أود أن لا تُهمل صكوك الإعسار التي صدرت قبل اليوم، بل يعاد النظر فيها بأثر رجعي، ولا بأس أن يطالب المتضررون من هذه الصكوك الاحتيالية حقوقياً بمراجعتها وتدقيقها وتمحيصها، فالأمر زاد عن حده، والمحتالون يزدادون عدداً وعدة.

إن كل يوم يمر، يشهد ولادة عدد من النصابين والمحتالين، ويشهد ضياع أموال الناس، وتمييع حقوقهم. وفي كل يوم جديد، يكثر عدد الضحايا، وتتضخم في ظل ذلك عداوات وضغائن لا عد لها ولا حصر.

* إن الأمر لا يتوقف فقط عند صك إعسار صدر لصالح محتال ليحميه من المطالبات والملاحقات.

إن صك الإعسار في حالته الاحتيالية هذه، هو (إعصار) مدمر، مدمر للأنفس والأموال، ومفقر لمن كانوا في ستر وعفة، ومُحنق لآخرين راموا الانتفاع بما يملكون من أموال، فصدقوا عهود ووعود من لا ذمة لهم ولا مصداقية.

* أخيراً.. يا أيها الإخوة والأخوات، المتضررون والمتظلمون من صكوك الإعسار الاحتيالية أقول: اصبروا.. اصبروا.. إن الظلم حبله قصير، وإن البغي يصرع أهله.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

إذا ظالم.. استحسن الظلم مذهباً

ولجَّ عتواً في قبيح اكتسابه

فكِله إلى صرف الليالي فإنها

ستدعي له.. ما لم يكن في حسابه

فكم قد رأينا ظالماً متمرداً

يرى النُّجم تيهاً.. تحت ظل ركابه

فعمّا قليل.. وهو في غفلاته

أناخت صروف الحادثات ببابه

فأصبح لا مال ولا جاه يرتجى

ولا حسنات تلتقي في كتابه

وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً

وصبّ عليه الله سوط عذابه

assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد