Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/02/2009 G Issue 13275
الأحد 06 صفر 1430   العدد  13275
أضواء
دكاكين فلسطين تتجه لرداء التسييس الديني
جاسر عبدالعزيز الجاسر

 

في ظهور تلفزيوني استعراضي، ذكَّرنا بأحمد سعيد (فارس إذاعة صوت العرب)، خرج خالد مشعل في مهرجان خطابي تعبوي في الدوحة العاصمة القطرية؛ ليعلن بدء الإعداد بإنشاء مرجعية جديدة للفلسطينيين بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

خالد مشعل لم يكشف عن تفاصيل مشروع نسف البيت الفلسطيني، سوى أنه قال: إن المرجعية الجديدة ستضم الفصائل الفلسطينية (الوطنية) وإنها ستكون بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وإن المرجعية الجديدة ستمثل فلسطينيي الداخل والخارج.

إعلان هذا الموقف يعني (إشهار) دكان فلسطيني آخر لخدمة مصالح الغير على حساب القضية الفلسطينية. ومع أن القضية الفلسطينية استغلت كثيرا من غير الفلسطينيين من قبل الفلسطينيين أنفسهم، إلا أنه لم يسبق أن فتح دكان بكبر وبحجم الثمن الذي قدمه خالد مشعل وجماعته من متحزبي الإخوان المسلمين.

ولكي يكون الشرح واضحا فلابد من استعراض تاريخ إنشاء الفصائل الفلسطينية وتكوين منظمة التحرير الفلسطينية، فالمعروف أن حركة فتح التي تعد أولى الفصائل الفلسطينية التي اعتمدت الكفاح المسلح لعملها أنشئت في دولة الكويت من قبل مجموعة من المثقفين الفلسطينيين الناشطين منهم المهندسون والمدرسون وعرف عنهم الشهيد ياسر عرفات، وكان مهندسا في دائرة الأشغال العامة بدولة الكويت وخالد الحسن وهو مثقف فلسطيني وخليل الوزير ورفيق النتشة وصلاح خلف ومجموعة أخرى من الفلسطينيين العاملين بدول الخليج العربية، وكان هؤلاء الناشطون يجمعون بين معتنقي الفكر القومي والديني واليساري، فعرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) كانا متدينين جدا، حتى إنهما حُسبا في أوقات كثيرة على تيار الإخوان المسلمين، فيما اعتبر خالد الحسن مفكرا قوميا، أما صلاح خلف فكان يساريا وظل وفيا لتوجهه حتى اغتيل، في حين عُدَّ رفيق النتشة صاحب توجه مستقل، فيما اعتبر كمال ناصر ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان الذين اغتيلوا عام 1976م بعثيين.

وهكذا ضمت حركة التحرير الفلسطينية كل التيارات الفكرية والسياسية عند انطلاقها في بداية الستينيات، ولهذا فعندما طرح في القاهرة تسليم زعامة منظمة التحرير الفلسطينية إلى ياسر عرفات قائد حركة فتح بدلا من رئيسها آنذاك أحمد الشقيري الذي استهلكه جمال عبد الناصر، وأدى الغرض من عمله على رأس المنظمة التي كانت أداة لعبد الناصر، وافقت جميع الدول العربية على تسليم منظمة التحرير الفلسطينية إلى قيادة فتح، لأنها كانت تضم ممثلين (تقريبا) لكل الأنظمة العربية..!!

وبعد تسلم عرفات قيادة م.ت.ف حاول أن ينأى بها عن التدخلات العربية، وعندما فشل ولحاجته إلى دعم الدول العربية وأموالها، فقد حاول أن يمد جسور العلاقة مع أنظمتها بتخصيص أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للتواصل مع نظام أو أكثر، فخصص أبا الوليد - رحمه الله - خالد الحسن ورفيق النتشة وأبا الأديب للتواصل مع دول الخليج والمغرب، وصلاح الخلف وصبري البنا لأنظمة اليسار، وكمال عدوان وكمال ناصر والنجار مع سورية والعراق البعثيتين آنذاك، وترك خليل الوزير للتواصل مع الإخوان المسلمين، الذين ساءهم ابتعاد ياسر عرفات عنهم الذي كانت له ميول إخوانية. ولهذا فقد ظل الإخوان المسلمون مبتعدين عن م.ت.ف ولهم موقف على الرغم من علاقتهم الوثيقة بأبي جهاد (خليل الوزير).

اللعب على حبال الأنظمة العربية ومحاولة توزيع الأدوار بين أعضاء اللجنة التنفيذية عملا على تشكيل فصائل فلسطينية خاصة بها، تأخذ تعليماتها وأوامرها من عواصم تلك الأنظمة، فشكلت دمشق منظمة الصاعقة التي تتتبع البعث السوري، وبغداد أنشأت جبهة التحرير العربية وهي تتبع البعث العراقي، فيما أنشأ القوميون العرب الجناح اليساري الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش بتمويل من جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية (اليمن الجنوبي) آنذاك، وسرعان ما توالدت هذه الجبهة لتقام الجبهة الشعبية الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة، والجبهة الشعبية - القيادة العامة - أحمد جبريل، ثم أنشأ أو تبنى النظام الليبي انشقاق صبري البنا الذي انشق عن حركة فتح وأنشأ فصيلا فلسطينيا تخصص في خدمة النظام الليبي وبعده نظام صدام حسين ثم تحول لامتهان وتنفيذ الاغتيالات. ثم تواصلت الانشقاقات وجميعها انطلقت من رحم حركة فتح، فظهرت فتح الثورة.. وأخيرا فتح الإسلام..!!

كل هذه الانشقاقات مثلت دكاكين لخدمة الأنظمة العربية من خلال توظيفها للقضية الفلسطينية لخدمة مصالح تلك الأنظمة، ولكن هذه الدكاكين فشلت في الاستمرار، فبعضها أُغلق كالصاعقة وجبهة التحرير وفتح أبي نضال، والبعض الآخر يعيش على الهامش، وبقيت حركة فتح هي الفصيل الجامع والمسيطر على مسيرة العمل الفلسطيني من خلال م.ت.ف، وإن ظهرت أحزاب فلسطينية أخرى، عندما عاد الفلسطينيون إلى داخل فلسطين كحزب الشعب وغيره من الأحزاب الضعيفة.

ظل هذا الوضع يتعايش معه الفلسطينيون حتى ظهر الإخوان المسلمون - تنظيم فلسطين - على الساحة وأطلق الشهيد أحمد ياسين وجماعته من إخوان فلسطين حركة حماس، وسرعان ما استقطب هذا التنظيم المسلح الذي يرتكز على قاعدة دينية مسيسة العديد من الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة، واستطاع أن ينافس حركة فتح في بناء قاعدة جماهيرية تجاوزت جماهيرية فتح، ففازت في الانتخابات التشريعية مدعومة بأموال الإخوان المسلمين = التنظيم العالمي، وهذا ما لفت انتباه القوى الإقليمية التي وجدت في حماس توافقا في التوجه الاستراتيجي وتقاربا في الرؤى السياسية التي توظف الدين لخدمة السياسة، فانكبت وانهالت المساعدات المالية والأسلحة على حماس لتجعل منها قوة مؤثرة تتجاوز في أحيان كثيرة قوة فتح، وهكذا وبعد السيطرة على قطاع غزة من قبل حماس تحاول هذه القوى الإقليمية أن تواصل حماس إزاحتها لحركة فتح من قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، خاصة بعد ابتعاد الفتحاويين عن هذا النمط من النضال الفلسطيني وتبني الخيار التفاوضي، وذلك من خلال المرجعية الفلسطينية (م.ت.ف) التي تكرس قيادة فتح، من هنا ولأجل ذلك جاء طرح خالد مشعل ليفتتح (مول) يضم كل الدكاكين التي تعارض فتح بإنشاء مرجعية فلسطينية جديدة.. تكون هذه المرة بغطاء ديني مسيس بعد إزاحة المرجعية الوطنية الفلسطينية المحسوبة على النظام العربي السياسي.



jaser@al-jazirah.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد