السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
قرأت بتمعن وإعجاب لهما أسبابهما المنطقية والموضوعية إن شاء الله ما كتبه الأستاذ محمد آل الشيخ في زاويته (شيء من) تحت عنوان (سعودية تقود الجيوش لا السيارة!) في العدد 13270 وتاريخ 1 من صفر 1430هـ الموافق 27 يناير 2009م.
|
وفي البداية أسجل إعجابي بكاتب المقال الذي لم تثنه الكثير من المحاولات البائسة عن السير في النور الزماني والمكاني لعصره بعيداً عن الأقنعة والأسماء المستعارة التي يقبع خلفها من استعار من الخفاش ما يروق له أياً كانت الأسباب والمبررات الواهية ولا شماتة. ولأن الضوء يكشف الظلام فإنني أردد: لله درك يا محمد ومن هم على شاكلتك الشريفة المنصفة، وأكثر الله من أمثالك في أوساطنا الإعلامية، وحُقّ لقراء الجزيرة أن يفخروا بنجاحاتها المتعددة، وأنت أحدها. وتفاعلاً مع ما طرحه الكاتب القدير محمد آل الشيخ يشرفني طرح النقاط التالية:-
|
أولاً: قال الله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (19) سورة النساء.
|
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. (1).
|
وعليه فإن الكتاب والسنة، وكل منهما مصدر تشريع يتبعهما الإجماع والقياس، فيهما من الأدلة الناصعة ما يحفظ للمرأة قيمتها وكرامتها؛ فهي الأم، والأخت، والابنة، والزوجة، وهي التي داوت الجرحى، وحاربت في الغزوات، جنباً إلى جنب مع المؤمنين في جهادهم، ناهيك عن تاريخ المرأة المسلمة وأثرها في تكوين الرجال العظماء.
|
وأتساءل هنا: هل هناك دليل على تحريم المرأة لركوب الخيل، أو الإبل، أو الحمير والبغال، وإذا كانت الإجابة بالنفي فإن السيارة هي وسيلة النقل في هذا الزمان جنباً إلى جنب مع الطائرة، وإذا كانت القاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فإن قيادتها للسيارة تمنع أن يكون معها سائق ليس محرماً لها البتة، ومع هذا يقود سيارتها، بل قد يركب معها صديقاتها أو قريباتها لإيصالهن لمشاويرهن، وهو ليس محرماً لهن مجتمعات أو متفرقات!!!!!؟
|
ومن المؤسف أن من يناقش بوعي لينتظر إجابة شافية يصدم بمن اتخذ على عاتقه في المنتديات العنكبوتية ممن ابتلي بهم المجتمع كقشور مرحلة فكرية، فئة تهرف بما لا تعرف وتشتم الناس من وراء ستار بأسماء مستعارة وبمفردات بالية لا تتجاوز في سذاجتها نعت مخالفيها (بالذئاب البشرية، والأقلية) وهي مفردات لا تحتاج معانيها إلى سبر غور أو حصانة بقدر الحاجة إلى تجاوزها إلى لباب النقاش لا قشوره أو رماد ذر الأعين.
|
ثانياً: الجانب الاجتماعي:- إذا كان هناك من يحجم المرأة ويقصيها فهذا شأنه وديدنه الشخصي، أما أن يمارس الوصاية الشخصية - دون أن يكون جهة عامة لها السمع والطاعة - فهذا ما يرفضه الكثيرون؛ فالمرأة السعودية تحمل أعلى الدرجات الأكاديمية وربة بيت مشرفة لأهلها وزوجها وأولادها، وبالتالي فإن منحها الثقة في قيادة السيارة أسوة بالنساء في الدول العربية والخليجية مطلب نأمل أن يتحقق في القريب العاجل، وكان معاوية بن أبي سفيان إذا نُوزع الفخر بالمقدرة وجوذب المباهاة بالرأي انتسب إلى أمه فصدع بذلك أسماع خصمه، ومن قوله في سجال الفخر لابن الزبير: أنا ابن هند أطلقت عقال الحرب فأكلت السنام وشربت عنفوان المكرع، وليس للآكل إلا الفلذة، ولا للشارب إلا الرنق (1). (2)
|
ثم إن من الأدلة ما تقدمه البديهة كتوثيق لا يحتاج إلى التدوين، وليس أدل على أن الأسر والقبائل تفتخر بعزوتها وعلى رأسهم آل سعود حكام المملكة العربية السعودية - إخوان نورة، وآل صباح حكام الكويت - إخوان مريم.. وبما أن الشيء بالشيء يذكر أضيف للمثال الذي ذكره الأستاذ محمد آل الشيخ على بطولة غالية البقمية، مثالا آخر للشاعرة رقية السعد العجمية في قصيدة قالتها بمناسبة غزو الترك لنجد بقيادة إبراهيم باشا، وحينما حاصروا مدينة الرس شاركت زميلاتها في إلهاب حماس المقاتلين حتى استبسلوا ولم يستطع جيش الترك دخول المدينة إلا صلحاً بعد سقوط جميع المدن النجدية (3):
|
هيه ياراكب حمرا ظهيره |
تزعج الكور نابية السنام |
ياهل الحزم يانعم الذخيره |
إن لفاكم من الباشه علام |
إدعوا الله ولاتدعون غيره |
وإعرفوا مامن الميته سلام |
الفرنجي إليا قمنا نكيله |
تلفظه مثل سيقان النعام |
عند سوره إتخلي كالمطيره |
إليا استلذ الردي حلو المنام |
مانقلنا السيوف اللي شطيره |
كود للشده في وقت الزحام |
ثالثاً: الجانب الاقتصادي: قال تعالى
|
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ
|
إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة.
|
روى البخاري عن حذيفة {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، قال نزلت في النفقة، وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك والحسن وغيرهم نحو ذلك (4).
|
وإذا كان المال هو عصب الحياة، وكما تقول العامة (شريك الروح) فهل من المعقول أن يأخذ السائق خمس راتب من مرتبه خمسة آلاف ريال أو ربع راتب من مرتبه أربعة آلاف ريال أو ثلث راتب من مرتبه ثلاثة آلاف ريال؟ ولا نستطيع أن ننكر هذه الأرقام من الدخول في مجتمعنا إذا ما سلمنا أن راتب السائق لا يقل عن ألف ريال سعودي، ولن أتحدث عن مرتب شغالة، أو إيجار بيت أو مصاريف مدارس حتى أكون محدداً في حديثي، علماً بأنني لا أتشعب إذا ما كشفت جوانب المعاناة الأخرى التي تدعم توضيحي بعينه، بالإضافة إلى أن أكثر السائقين لا يكترثون بأدنى عناية تجاه سيارات مكفوليهم عملاً بالمثل الشعبي (جلد ماهو جلدك جره على الشوك)، كما أنهم يسببون نزفاً في الاقتصاد إذا ما اعتبرنا كحد أدنى أن هناك أربعة ملايين سائق عائلة، فإن معدل رواتبهم الشهرية أربعة آلاف مليون ريال، بمعنى أن الرقم السنوي بالرياض لمجموع رواتبهم يتحدث عن نفسه وهو (48.000.000.000) ريال سعودي، وهنا أتساءل: أليس الوطن والمواطنون أحق بهذا الرقم الخيالي من المبالغ السنوية المهدرة غالباً؟
|
|
|
(1): شرح رياض الصالحين: للإمام النووي الدمشقي.
|
(2): المرأة العربية في ظلال الإسلام: عبد الله عفيفي.
|
(3): شاعرات من البادية: عبد الله بن محمد بن رداس.
|
(4): اليسير في اختصار تفسير ابن كثير: إشراف الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد.
|
عبد العزيز سعود عبد العزيز المتعب |
ص.ب 22166 الرياض 11495 |
|