Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/02/2009 G Issue 13279
الخميس 10 صفر 1430   العدد  13279
إجازة.. مدفوعة الثمن
د. عبد الملك بن إبراهيم الجندل

 

احتدم النقاش حول السعر، فهذا يقول بخمسين (غالية)!! سعرها سابقاً بثلاثين ريالاً، ويرد البائع: يا أخي كل شيء ارتفع، وكل شيء (بحقه)، وكل سلعة ولها أجرة، واضطر الشخص للشراء بخمسين.

ما سبق من مبايعة كانت من أجل استخراج إجازة مرضية (كاذبة) ليوم واحد.

صدمت لهذا المشهد، وتفكرت بأسبابه ونتائجه على الشخص والمجتمع، ثم تذكرت قول الله سبحانه وتعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، واستشعرت حديث رسولنا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي ورد فيه التحذير الشديد من شهادة الزور، وإيراد تلك الشهادة من ضمن أكبر الكبائر بعد الشرك والعقوق، ففي الحديث: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال: ألا وقول الزور، قال: فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).

فقول الراوي: (وجلس وكان متكئاً)، وقول الصحابة: (فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)، تصوير دقيق لموقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- الدال على خطورة شهادة الزور، وهي الشهادة بغير الحق، وحتى لا يستهين بها الناس، لضررها الكبير على الفرد والمجتمع، فالشهادة أمرها عظيم ويجب أن تكون صادقة، فكما أن الإنسان آثم إذا كتم الشهادة، فإنه يحرم بذلها في الكذب.

وفي تلك (البيعة) اشترك عدة أشخاص في ارتكاب كبيرة من الكبائر، عند وقوعهم في جريمة التزوير، والتي فيها إضاعة للحق، وخيانة للأمانة، وموت أو مرض الشعور بالمسؤولية، وإعانة للمخطئ على خطئه، بل والاستمرار فيه مستقبلاً وبغير اكتراث، وتربية خاطئة لنفسه ومن يعول، وأخذ الشخص مالاً لا يستحقه، وهو غائب عن عمله، وكذب على الجهات المسؤولة، فالمجرم الأول: هو الطبيب الذي أصدر تلك الورقة وهو يعلم كذبها، والثاني هو الوسيط، والثالث هو من سيستفيد من تلك الإجازة الطبية الكاذبة، لتقديمها إلى جهة عمله.

هذه هي القصة، وهؤلاء هم المستفيدون (ظاهرياً)، وهذه التصرفات السلبية بدأت تظهر في المجتمع، لذا يجب عدم التغاضي عنها بحجة قلتها، لأن (معظم النار من مستصغر الشرر)، مما يستدعي وقفة حازمة صارمة للحد منها، والقضاء عليها، ويأتي سؤالان: كيف نقضي على تلك الأعمال؟ والسؤال الآخر: كيف يطهر الإنسان نفسه إذا وقع في مثل ذلك؟

أما ما يخص القضاء على تلك الظاهرة: فالمسؤول الأول وزارة الصحة، التي تتبعها تلك المنشآت الصحية المصدرة لتلك الإجازات، سواء كانت حكومية أم أهلية، ووجوب النظر في إجراءات إصدار تلك الإجازة؟ وبالمقابل ما هي العقوبات الرادعة لمن يقوم بعملية التزوير ومن يستفيد منها؟ وما دور منظمات المجتمع وقطاعاته وأفراده في التحذير من تلك الممارسات الخاطئة؟

وأما ما يخص تطهير الشخص نفسه من أدران (الزور)، وحتى لا يكون جسمه نبت من حرام، فأول ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ينظر إلى الأيام التي تغيَّب فيها عن العمل، وقدم إجازة (كاذبة)، ولم يخصم عليه من راتبه مقابل تلك الأيام التي غابها، ويعرف مقدار تلك المبالغ، ويضعها في الحساب البنكي الذي أنشأته الدولة تحت مسمى (إبراء ذمة)، لمن أراد إبراء ذمته، بإرجاع المال المأخوذ من غير وجه حق من المال العام، ويقوم بنك التسليف السعودي بالإشراف على هذا الحساب، ويعود ريع هذا الحساب للأرامل والمطلقات والشباب الراغبين في الزواج وبعض المشروعات الخيرية الأخرى، مع العلم أنه يتم التعامل مع المودع في هذا الحساب بمنتهى السرية، وعدم تعرضه للمساءلة أياً كانت ظروف حصوله على المبالغ التي أخذها بغير وجه حق.

وإن استطاع هذا (التائب) أن ينصح من يقوم بتلك الأعمال ويسوّق لها، سواء كان يتقاضى مقابلها مبلغاً من المال، أو يعتبرها مساعدة (فزعة) للآخرين، وكذلك الطبيب الذي يمنحها دون وجه حق، وإن استطاع التبليغ عنهم فليفعل، فإنه بذلك يؤدي دوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويطهر مجتمعه من الفساد، وينضم إلى ركب المصلحين.



aljndl@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد