Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/02/2009 G Issue 13279
الخميس 10 صفر 1430   العدد  13279
قرار منع الاحتطاب.. غير كافٍ!
د. زيد المحيميد

 

حضرت قبل مدة قصيرة معرضا شعبيا تقليديا في إحدى مناطق المملكة ولفت نظري في ذلك المعرض خيمة كبيرة تابعة لإحدى الشركات وبجانبها كومة ضخمة من الحطب بنوعيه (الأرطى والغضى) بارتفاع أكثر من عشرة...

......أمتار بعرض مترين وأكثر، فقلت في نفسي إن ذلك الحطب المقطوع من أحد الكثبان الرملية الموجودة في تلك المنطقة، تحول من منطقة مليئة بالأشجار إلى منطقة جرداء، وسوف تحدث خللا كبيرا في الغطاء النباتي في السنوات القليلة القادمة ناهيك أن تلك الأشجار كما أثبت علميا نموها بطيئا وعمرها الزمني طويل لأجل وصولها إلى هذا الشكل الذي رأيته في تلك الكومة، ويؤكد هذا التوجه الدكتور إبراهيم عارف أستاذ الغابات والأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود بقوله: إن استمرار عملية الاحتطاب سوف يقضي على أنواع شجرية وبالتالي سوف يحدث خللا في البنك الجيني وفي حالة فقدها سوف يتم فقد أنواع لا يمكن الحصول عليها مستقبلا وهي تقاوم الحرارة والجفاف وزحف الرمال.. (جريدة الرياض: 30- 12-1427هـ، العدد 14078).

وفي هذه الأيام ينتاب بعض الباحثين والمختصين بالبيئة وأهالي كثير من المناطق، مخاوف من تعرض معظم المناطق لأخطار بيئية تتمثل في اختلال التوازن البيئي والتصحر وزحف الرمال بسبب هبوب الرياح المستمرة، وذلك نتيجة لعمليات الاحتطاب الجائرة والمستمرة والعشوائية غير المبررة التي تتعرض لها الأشجار الصحراوية من أرطى وغضى ورمث وسمر وطلح وسلم وغيرها، إضافة لاستخدام الحطابين دون وعي وإدراك منهم بخطورة ما يقومون به من وسائل كفيلة بالقضاء على تلك الأشجار اليابسة والخضراء على حد سواء واستحالة نموها مرة أخرى، لقيامهم باجتثاثها من جذورها باستخدام أدوات حديثة من مناشير وحبال وسلاسل مخصصة للاحتطاب، وكذلك اقتلاعها بواسطة السيارات!.

القرار الأخير لحظر بيع ونقل الحطب والفحم المحلي مع بداية العام الهجري 1430هـ، حيث ستتم مصادرة الكميات وإصدار غرامات مالية فورية مقدارها 2000 ريال على الطن الواحد من الحطب أو الفحم الذي يتم ضبطه (جريدة عكاظ، الاثنين غرة محرم 1430هـ، العدد 15465)، والذي تم بناء على التوصيات البحثية التي قامت بها وزارات (الزراعة، الداخلية، التجارة الصناعية، الشؤون البلدية والقروية، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها)؛ صدرت أوامر صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بمنع بيع الحطب المحلي والفحم، والاعتماد على المستورد من خارج المملكة وفق ما تنص عليه ضوابط الاستيراد التي وردت في هذا القرار (جريدة الاقتصادية، 6011- 2008م، العدد 5505).

هذا القرار رائد ونحن كمواطنين بأمس الحاجة إليه، ولكن من غير الكافي الاقتصار عليه بل لا بد من بذل جهود كبيرة ومتراكمة للتعويض عن ما خسرناه من الثروة النباتية طيلة السنوات الماضية -وفي نظري- لا بد من وضع آليات تعكس هذا التوجه المبني على ثقافة حماية بلدنا من التصحر وما ينتج عن ذلك من مشكلات بيئية كارثية، ومن الآليات التي أرى اتباعها ما يلي:

- تشجير الوديان والشعاب في مختلف مناطق المملكة، والاستفادة من مياه الأمطار الموسمية، ومن الممكن تحقيق (أرقام قياسية) في حالة تنظيم حملات شعبية يقوم بها كافة المواطنين..فالصين مثلا زرعت سورا من الأشجار الخضراء لحماية حدودها الشمالية من التصحر وهبوب العواصف الرملية، ورغم أنه يمتد لأكثر من خمسة آلاف كلم إلا أنه أنجز خلال عامين بفضل تكفل كل فرد بزرع خمس شجرات في الموقع( جريدة الرياض، 28-11-1428هـ، العدد 14411)، ومن الممكن الاستفادة من أسبوع الشجرة الذي يقام سنويا في مختلف مناطق المملكة لهذا الغرض.

- كل جهة رسمية تقيم مخيمات في الصحاري يطلب منها غرس كمية محددة من الشتلات كشرط لمنحها الترخيص.

- تعيين مراقبين ومشرفين موزعين على مناطق المملكة مما يؤدي إلى خلق عدد كبير من الوظائف للشباب السعودي.

- تشجيع ودعم الأبحاث الزراعية من الوزارات ذات العلاقة، والتي يتم فيها استنبات أعداد كبيرة من الأشجار الصحراوية.

- إدخال موضوع دراسي عن البيئة في أحد المقررات التعليمية حول الاحتطاب الجائر.

- المحميات الموجودة في المملكة حافظت على مخزونها الطبيعي من الأشجار بكافة أنواعه من التشوهات الحاصلة في المناطق الصحراوية، وهذا دليل على قلة الوعي من قبل المواطنين في الأراضي المفتوحة، فلماذا لا تكون جميع الأراضي الصحراوية تحت الحماية من عبث العابثين للثروة النباتية، (وهذا يؤكد على أهمية خلق وظائف جديدة كما أشرنا سابقا)..

- أماكن بعض المشاريع الزراعية الكبيرة يتواجد بداخلها أشجار صحراوية بشكل كبير، ولكن في غالب الأحيان يتم إزاحة تلك الأشجار من أجل مشاريع زراعية كالقمح والزيتون وغيرها، فلماذا لا يكون هناك ضوابط واضحة تنظم عملية معالجة أو التعامل مع تلك الأشجار ..

- عرض بعض اللوحات الكبيرة في المناطق الصحراوية والتي يظهر بشكل واضح مشكلة التصحر والتنسيق مع الفنانين التشكيليين لعمل هذا المشروع الوطني.

- القيام ببعض البرامج الإعلامية التي تركز على زيادة الوعي لدى المواطنين، والتنسيق مع بعض القنوات الفضائية التي لها علاقة بالصحراء، وبعض القنوات الشعبية.....

- عمل مسابقات لأفضل لوحة تعبر عن أضرار الاحتطاب لطلاب وطالبات المدارس في التعليم العام.

وأخيرا إذا استمر هذا الهدر البيئي العشوائي في مناطقنا لنا أن نتساءل عن قدرتنا على الاستمرار بدون غطاء نباتي، وما يفرزه ذلك من أخطار محدقة.

* * *



zeidlolo@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد