Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/02/2009 G Issue 13279
الخميس 10 صفر 1430   العدد  13279
شيء من
رأي في المقاطعة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

في المجتمعات المتطورة، تعتبر المعارضة العنيفة بكل أشكالها جريمة يعاقب عليها القانون، وفي المقابل يعطي القانون الحق للفرد لأن يمارس رفضه أو ممانعته لما يراه مجانباً للصواب، أو مضراً بحقوقه، بالطرق السلمية، ومن هذه الطرق (المقاطعة) بكل أشكالها. أن يمتنع فرد عن شراء سلعة معينة، أو خدمات، لسبب اقتصادي أو سياسي، فهذا حق من حقوقه لا يمكن انتزاعه منه طالما أن الأمر متعلق باختياره الشخصي.

غير أن المقاطعة إذا ارتبطت بفتوى دينية، أو صدرت على اعتبار أنها أمر يدخل ضمن نطاق الحرام والحلال، فإن القضية تنتقل من كونها رؤية شخصية (دنيوية) قابلة للجدل والقبول والرفض، والأخذ والعطاء، لتصبح تكليفاً شرعياً (دينياً)، يثاب فاعله، ويأثم مخالفة، أو العكس، وهنا أس المشكلة.

مقاطعة البضائع الغربية التي يدعو إليها البعض لا يمكن قبولها إذا ما اعتبرناها (فتوى عالم أو علماء)، يجب الخضوع لها، والتسليم بمقتضياتها، ليصبح من يردها إنما يرد أمراً شرعياً يجب من حيث المبدأ أن يتلقاه بالقبول المطلق. قناعة أو عدم قناعة المتلقي بالفتوى لا قيمة لها، وما عليه إلا التنفيذ، انطلاقاً من أن الفتوى في التعريف هي: (ما يفتي به المفتي أو العالم بعلوم الدين وفي قضايا الشرع ليبين الحكم الصحيح). وقبولها يتعلق بقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.

بينما أن الشأن الدنيوي لا الديني، والذي لا علاقة له بالحلال والحرام، متروك لتقدير الفرد، فإن شاء أخذ به، وإن شاء تركه، حسب قناعاته الشخصية، وما تقتضيه مصالحه، أو ما يرى أنه الصواب، بعيداً عن الحلال والحرام. الأخذ (بالمقاطعة) أو تركها، أمر دنيوي، يدخل في نطاق (الإباحة)، ولا علاقة له بالأحكام التكليفية الأخرى. أي أنها حق إنساني، لا واجب ديني.

وقد تدخل مثل هذه الفتاوى ذات الصبغة السياسية، والتي تسعى إلى تعمد الإضرار بجهة معينة في حيز (التعجل) في الفتوى، أو (التساهل) فيها، أو توظيفها توظيفاً سياسياً، والمذمومة دينياً. يقول ابن الصلاح في (أدب الفتوى) ما نصه: (وقد يكون تساهله وانحلاله -أي المفتي- بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة، أو المكروهة، والتمسك بالشبه، طلباً للترخيص على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه).

إضافة إلى أن إقحام الفتوى في مثل هذه القضايا سيؤدي إلى جدل بين الفقهاء، بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي سينعكس انعكاساً سلبياً على (قيمة الفتوى)، من حيث المبدأ، على اعتبار أنها حكم رباني يجب احترامه، وعدم إقحامه في التجاذبات السياسية. دعوا الأمر لتقدير الناس ليمارسوا ما يجدوه الأقرب إلى الصواب حسب اجتهاداتهم، لا حسب اجتهادات غيرهم.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد