Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/02/2009 G Issue 13282
الأحد 13 صفر 1430   العدد  13282
المواجهة القادمة مع إيران
كينيث وايزبرود

 

فلورنس - لم تهدر إدارة رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما وقتاً طويلاً في الإعلان عن سعيها إلى الدخول في محادثات مباشرة مع الحكومة الإيرانية. وهذا يعني على أقل تقدير أننا في انتظار مواجهة صعبة بشأن المساعي الإيرانية الرامية إلى ترسيخ نفوذ إيران الإقليمي من خلال إنتاج السلاح النووي.

والحقيقة أن الأمر يشتمل على مخاطر أعظم كثيراً مما يتعلق بتحديد المجموعة اللائقة من الحوافز والتهديدات اللازمة لتغيير العقلية الإيرانية.

بل لقد حان الوقت للتعامل مع المسألة النووية في الإطار الإقليمي الكامل وليس على نحو مجزأ.

إن العالم بالكامل يدرك الخطر الذي تفرضه إيران النووية: والذي يتلخص في الانقلاب الجذري لموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، بفضل تمكن إيران من فرض قدر من النفوذ الإقليمي - سواء صراحة أو ضمناً - أعظم كثيراً مما تمتلكه الآن من نفوذ في ملاحقة مصالحها.

فضلاً عن ذلك فمن المرجح أن تسعى البلدان المجاورة إلى إطلاق أو تعزيز برامجها الخاصة للتسلح النووي رداً على ذلك، الأمر الذي لابد وأن يؤدي إلى سباق مطول على التسلح النووي في واحدة من أشد مناطق العالم تقلباً.

وليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا أوروبا أن يكون لأي من دول المنطقة قدراتها الخاصة في إنتاج الأسلحة النووية. ورغم أن أياً من هذه النتائج ليست مؤكدة، إلا أنها تظل محتملة.

فهناك قدر كبير من الضغوط الداخلية في كل من هذه البلدان - كما كانت الحال في إسرائيل وباكستان، الدولتين الوحيدتين اللتين تمتلكان السلاح النووي في المنطقة حتى الآن - لتأمين الفوائد المفترضة المترتبة على اكتساب القوة والهيبة نتيجة لامتلاك السلاح النووي.

وتتضخم هذه الضغوط حين يتميز المنافسون والجيران بأي نوع من السبق الإستراتيجي.

ولكن كلاً من بلدان المنطقة لديها مخاوف أمنية ونقاط ضعف خاصة.

وإيران، وهي الدولة متعددة الأعراق التي ناضل حكامها في سبيل تعزيز التماسك الوطني، لا تختلف كثيراً عن غيرها من بلدان المنطقة في هذا السياق.

فقد وظفت المذهبية الشيعية في أعقاب الغلو في الحس الوطني الفارسي باعتبارها منطلقاً لحشد القوى، ولكن أياً منهما لم تنجح بالكامل في تعزيز المؤسسات السياسية الإيرانية وضمان ولاء سكان إيران من الشباب الذين لا تتجاوز أعمار ثلثيهم الثلاثين عاماً.

تتعرض وحدة الأمة الإيرانية على نحو دوري للتهديد بسبب انعدام شعبية حكامها من رجال الدين بين قطاعات ضخمة من السكان، هذا فضلاً عن الانقسامات الإقليمية والعرقية، والصراعات وعدم الاستقرار في دول الجوار المباشر، والعداوات المتولدة عن عملائها الإقليميين و - أو وكلائها في العراق، ولبنان، وأفغانستان وغيرها.

كل هذه العوامل تشكل من الناحية النظرية مصادر محتملة للنفوذ بالنسبة لقوى خارجية مثل الولايات المتحدة.

ولكن معارضة طموحات إيران النووية بصورة مباشرة كانت حتى الآن سبباً في إحداث أثر عكسي.

إذ إن سعي إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية - بكل ما يحمله ذلك في طياته من دعم للكرامة الوطنية ووعد بالصدارة الإقليمية - كان له دور حاسم على صعيد توحيد القوى الإيرانية، فضلاً عن دوره السياسي والعسكري.

وهنا يكمن التحدي في صياغة سياسة متماسكة تعمل على احتواء وردع الطموحات الإيرانية دون أن تؤدي إلى تفاقم شعورها الموروث بالتعرض للخطر على المستوى الوطني.

وفي الوقت الحالي تتمركز المناقشة السياسية خارج المنطقة حول ما إذا كان من الضروري استخدام القوة في حال فشل المحادثات.

بيد أن إيران رفضت التراجع، كما كان متوقعاً، وهو ما اقترح بعض المراقبين أنه يشير إلى فشل القوى العالمية العظمى الرئيسة في التحدث بصوت واحد. وهذا حقيقي، ولكنه ليس بالتفسير الكافي. وزعم آخرون أن قادة إيران لا يبالون على أي نحو بالرأي العالمي.

وهذا أيضاً ليس بالتفسير الوافي، إذ إن أي دولة في العالم، وحتى كوريا الشمالية، لا تعيش في فراغ.

إن التوصل إلى التوازن الأمثل بين استخدام الجزرة والعصا أمر بالغ الصعوبة، ولا أحد يستطيع أن يزعم أن أياً من بلدان المنطقة تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها وسيطاً نزيهاً.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة لابد وأن تحد من تركيزها على معايرة التكتيكات في حد ذاتها، وأن تكثر من التركيز على إعادة صياغة السياق الإقليمي الذي قد يقرر زعماء إيران على ضوئه إما أن يمضوا قدماً في مخططاتهم أو يتوقفوا.

ينبغي أن تتلخص نقطة الانطلاق في المزيد من تعزيز القوات العسكرية التقليدية في مختلف بلدان المنطقة، وهو ما يعني أكثر من مجرد زيادة المخزون من الأسلحة.

فلابد من اتخاذ المزيد من تدابير بناء الثقة، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات، بين مختلف المؤسسات العسكرية في المنطقة.

ومن بين أهم عوامل دعم الثقة في هذا السياق العمل على تبني التزام إستراتيجي واضح من جانب الغرب في هيئة امتداد لقوة ردع حلف شمال الأطلنطي إلى منطقة الشرق الأوسط.

ولا ينبغي لهذه القوة أن تستهدف إيران بصورة خاصة، ولسوف تكون هذه القوة أكثر فعالية من الضمانة الأحادية الجانب التي توفرها الولايات المتحدة لإسرائيل أو أي دولة منفردة أخرى في المنطقة.

ويتعين على البلدان الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلنطي أن تتعهد بالدفاع عن أي دولة في الشرق الأوسط تتعرض لهجوم بالأسلحة النووية.

وفي ظل ظروف دبلوماسية مثالية فمن الممكن إقناع روسيا والصين بالانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي في بيان مشترك.

إن مثل هذه الخطوات ليس من المرجح أن تكون كافية في حد ذاتها لردع إيران أو لطمأنة غيرها من بلدان المنطقة.

ولكنها من شأنها أن تعمل، إلى جانب الضغوط الدولية المتواصلة من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، على بث إشارة واضحة مفادها أن القوى العالمية العظمى الرئيسة تنظر إلى استقرار السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط باعتباره عاملاً حاسماً لضمان أمنها وسلامها شخصياً.

وهذا من شأنه أن يساعد في الحد من احتمالات حدوث سباق تسلح إقليمي جامح إذا فشلت المحادثات ونجحت إيران ذات يوم في اختبار سلاحها النووي.

***

* كينيث وايزبرود زميل مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة التابع لمعهد الجامعة الأوروبية.

وهو مؤلف كتاب (أوراسيا الوسطى - جائزة أم رمال متحركة؟).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009
www.project-syndicate.org
خاص بالجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد