Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/02/2009 G Issue 13282
الأحد 13 صفر 1430   العدد  13282
الطرق والمواصلات في مدينة الرياض
د. عبدالوهاب بن سعيد القحطاني

 

عرفت مدينة الرياض منذ كنت طفلاً في منتصف الستينيات من القرن الميلادي الماضي، حيث كانت البيوت والمحلات التجارية المتواضعة على جانبي طريق الملك عبد العزيز (طريق المطار القديم)، وكانت السيارات قليلة جداً، بحيث يمضي الوقت وبالكاد نرى سيارةً واحدةً على الطريق. تغيرت الظروف الاقتصادية في المملكة إلى الأفضل ما زاد النطاق العمراني وعدد الطرق وأطوالها، خاصة بعد الطفرة البترولية في السبعينيات من القرن الماضي، وكان هذا بفضل من الله ثم بجهود القيادة الرشيدة والمخلصين في الدولة. مدينة الرياض من أجمل مدن العالم من حيث التخطيط العمراني وشبكة الطرق، خاصة الأحياء الجديدة، وهذا بفضل من الله ثم بجهود الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي واكب التقدم لعاصمتنا الحبيبة. وبتحسن الدخل والخدمات الصحية زاد معدل النمو السكاني في مدينة الرياض بنسبة عالية غير مسبوقة، بحيث أصبحت الطرق الحالية غير مواكبة لمدينة من أكبر مدن العالم من حيث عدد السكان واتساع النطاق العمراني.

مدينة الرياض في توسع وتطور مستمر يتطلب التوسع في شبكة الطرق والمواصلات الحالية لتلبية احتياجات كل من الأفراد وقطاع الأعمال الذي تسهم البنية التحتية الحديثة في نموه ومواكبته للمنافسة العالمية. طريق الملك فهد شريان حيوي ومحوري، حيث أصبح من أكثر الطرق في مدينة الرياض اختناقاً مرورياً؛ لأن نسبة عالية من سكان مدينة الرياض تستخدمه، سواء كانوا في جنوبها أو شمالها أو شرقها أو غربها. ويعد طريق جسر الخليج من أكثر الطرق زحمة واختناقاً، لكنه أفضل نسبياً من حيث الانسياب المروري من طريق الملك فهد. أما الطريق الدائري فقد زادت الاختناقات عليه في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك بنسبة متفاوتة في بعض النقاط المزدحمة بالسكان.

الانتظار الطويل وغير المعلوم على الطرق المزدحمة للعاملين في قطاع الأعمال الخاص يكلفهم الكثير من حيث التأخر في العمل وتكلفة الوقت الضائع وعدم استغلال الفرص. أما بالنسبة للموظفين في القطاع الحكومي فإنهم يخسرون وقتاً غير معلوم يؤثر في إنجاز كل ما له علاقة بالمواطنين والمقيمين أو القطاع الخاص ما يؤثر على إيراداته وربحيته وإنتاجية الشركات الخاصة.

وستزداد الزحمة والاختناقات المرورية في مدينة الرياض بتزايد السكان؛ لأن تنمية الطرق السريعة والمحلية من حيث العدد والسعة أصبحت صعبة في ظل المساحات الضيقة أو السكانية المأهولة على جانبي الطرق السريعة والطرق المحلية على حد سواء. وكلما تقادمت المشكلة صعبت الحلول وزادت تكاليفها على مدينة الرياض ما يجعل الحاجة لمواجهة المشكلة من أولويات القائمين على إدارة الهيئة العليا لتطوير الرياض الذين بلا شك يعملون على تطوير عاصمتنا الجميلة في مختلف النواحي. فقد زرت الهيئة قبل عدة سنوات بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان حفظه الله؛ وذلك للاطلاع على ما يجري من تخطيط على أعلى المستويات وأجودها، خاصة في مجال المواصلات والطرق. طرحت في إحدى الصحف المحلية قبل حوالي أربعة أعوام تصوراً خيالياً لشبكة قطارات موازية للطرق الرئيسية تسير بين المناطق المأهولة بالسكان من جهة وبينها وبين المراكز الحضرية الحالية والمستقبلية لتكون نقاط توقف لقطارات المونوريل Monorail على غرار تلك التي في بعض الدول النامية مثل ماليزيا وسنغافورة.

ستسهم هذه الشبكة من القطارات السطحية في تقليل الاختناقات المرورية في مدينة الرياض، بل وتطويرها من حيث جمالها وجودة خدمات النقل والمواصلات. قد تكون تكاليف شبكة القطارات أقل من توسعة الطرق الحالية لما يترتب على ذلك من نزع ملكيات سكنية وتجارية بالإضافة إلى ما سيترتب عليه من تعطيل لهذه الطرق خلال التوسعة، بل قد لا تسهم في حل المشكلة كما نتوقع. أما شبكة القطارات فستكون مرادفة للطرق الحالية وستحل مشكلة مستقبلية تضاف إلى المشكلة الحالية. حقيقة نلاحظ تغيراً في سلوك الناس من حيث تقبل النقل العام مثل ركوب الحافلات، لكن بعضهم يرغبون في تطويرها من حيث نظافتها وجودة الخدمة وأوقات رحلاتها، بل لا يجدون مشكلة في تصنيف رسومها على أساس جودة الخدمة ونوعية ركابها.

وقد يكون اقتراحي لمدينة الرياض مؤقتاً أو استراتيجياً عندما أوصي بأهمية تبني المسارات السريعة على الطرق الرئيسية، بحيث تستخدمها السيارات التي يزيد عدد ركابها على ثلاثة لتخفيف الزحمة المرورية. أما من حيث تطبيق هذا المقترح فإن المرور السيار معني بمخالفة السائقين الذي لا يلتزمون بالتعليمات، فالغرامات المالية كفيلة بتوعية المخالفين من السائقين. معظم السيارات التي تستخدم الطرق السريعة في المملكة وتؤثر على انسيابية المرور يقودها أشخاص من غير ركاب بصحبتهم، وهم بلا شك كثيرون. أرى ضرورة قيام إدارة المرور بتوعية إعلامية مكثفة عن ثقافة النقل العام مثل الحافلات واستخدام مسارات السيارات التي تنقل أكثر من ثلاثة ركاب حتى نخفف من عدد السيارات الفردية الراكب على هذه الطرق. هذه المسارات السريعة تستخدم في العديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة وكندا للتقليل من التزاحم المروري الذي يلحق الكثير من التكاليف العالية بالاقتصاد. يخالف المخالف للمسارات الجماعية السريعة في ولاية كاليفورنيا حوالي 750 ريالا. صرامة وحزم المرور السيار في رصد ومخالفة المخالفين من السائقين جدير بخلق وترسيخ ثقافة المسارات السريعة بين السائقين.

وقد يكون من المناسب تحديد رسوم على الطرق السريعة في الرياض ليستخدمها السائق الذي بحاجة ضرورية للوقت ليقلل ذلك من الاختناق المروري، فقد لاحظت استخدامها من قبل سائقين لديهم بدائل طرق موازية توصلهم إلى غاياتهم. وسنجد السائق المحتاج للوقت يستخدم الطرق الخاضعة للرسوم. أما السائق الذي لا يرى حاجة ملحة لاستخدامها فسيستخدم الطرق المحلية البديلة والموازية وغير الخاضعة للرسوم.

تطوير النقل الجماعي الذي يخدم مدينة الرياض أولوية كبرى لأنها العاصمة المشرقة التي تعكس النهضة الشاملة في المملكة. وقد يكون خياراً استراتيجياً واقتصادياً مجدياً أن تؤسس شركة حافلات متطورة على درجة عالية من الجودة تجذب الطبقة المتوسطة والدنيا في المجتمع لاستخدامها. أتوقع أن تؤدي الدراسات المسحية للسكان إلى أهمية توافر شركة حافلات جديدة توفر رحلات منظمة بين الأحياء السكنية من جهة وبينها وبين الأحياء التجارية والصناعية من جهة أخرى. وأتوقع أن يكون لدينا مستثمرون يريدون الدخول في هذا المجال إذا توافر الدعم من الدولة من حيث الترخيص والتمويل بنسبة محددة من صندوق التنمية الصناعية أو صناديق أخرى أو البنوك التي تشترط ضمانات للحصول على القرض الاستثماري. وفي الختام أرجو أن تجد مقترحاتي وحلولي لمشكلة الاختناقات المرورية في مدينة الرياض الطريق إلى النور بعد دراسة إمكانية تنفيذها وجدواها الاقتصادية. إذا أدركنا وأخذنا في الاعتبار حجم المشكلة وتأثيرها فإنه من السهل الوصول إلى الحلول المناسبة للتغلب عليها

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن


asalka@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد