Al Jazirah NewsPaper Monday  09/02/2009 G Issue 13283
الأثنين 14 صفر 1430   العدد  13283
أليس في هذا المبدأ حل لكثير من قضايانا؟
عبد الله بن راشد السنيدي

 

وأعني به مبدأ (إن الأصل في الأشياء الإباحة) وهو أحد المبادئ الإسلامية التي تدل على سماحة الإسلام ومرونته وإنسانيته كما يدل على نبذ الإسلام للغلو والتطرف والتشدد.فمبدأ (الأصل في الأشياء الإباحة) اعتمد عليه فقهاء المسلمين عندما كان باب

الاجتهاد مفتوحاً في إباحة كثير من الأشياء المسكوت عنها في الشيعة وهو يتمشى مع ما ورد في القرآن الكريم، يقول تعالى: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، وقوله تعالى: {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ}، حيث تنهى هاتان الآيتان الكريمتان عن كثرة الأسئلة عن التحليل والتحريم في أشياء لم يرد حولها نصوص حكمية قطعية بتحريمها.

كما أن مبدأ (الأصل في الأشياء الإباحة) يتمشى مع ما ورد في السنة الشريفة حول النهي عن التشدد وتحريم ما أحله الله، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم).

ويعني مبدأ (الأصل في الأشياء الإباحة) أن جميع الأشياء التي يتعامل معها الإنسان أو يستعملها مباحة باستثناء الأشياء التي ورد في منعها أو تحريمها نصوص قطعية في أحد مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية؛ وهي القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة أو الإجماع أو القياس.

ويترتب على ذلك نتيجة واضحة أنه ليس من حق أحد مهما بلغت درجته في العلم أن يحرم شيئاً لم يرد فيه تحريم بنص قطعي في القرآن أوالسنة الشريفة أو حظي بإجماع علماء المسلمين أو القياس على حكم آخر لاتحاد العلة بينهما استناداً إلى ما يعرف بسد الذرائع أو نحوها.

وأعتقد أن المسلمين ونحن في هذه البلاد الغالية في أمس الحاجة للعمل بهذا المبدأ وتطبيقه لكي تتضح لنا الصورة في كثير مما يواجهنا في حياتنا اليومية وما يتعلق بها من قضايا معلقة وتجعلنا نساير المجتمعات البشرية الأخرى في كثير من الأمور التي لم يرد في شريعتنا تحريم لها، وأورد لذلك من الأمثلة مما يثار من حين لآخر حول قيادة المرأة للسيارة وإنشاء دور للسينما والمسرح حسب الآتي:

* بالنسبة لقيادة المرأة للسيارة فإن السيارة لم تكن موجودة في العصور الإسلامية الأولى، لذا لم يرد حول قيادة المرأة لها نصوص حكمية، لكن كانت توجد وسائل التنقل الأخرى مثل الإبل والخيل ونحوهما وكانت المرأة تستعمل هذه الوسائل كما كان يستعملها الرجل، كما أنه في عهد آبائنا وأجدادنا كانت المرأة تسعمل هذه الوسائل ولم ينكر عليها ذلك. مما أثار الجدل في مجتمعنا حول قيادة المرأة للسيارة، فيوجد من يجيز قيادة المرأة للسيارة باعتبارها ضرورة ولأن حرمانها من ذلك يتعارض مع حقوق الإنسان، وهناك من يمنع قيادة المرأة للسيارة مستنداً إلى مبادئ فقهية وضعت من قبل علماء المسلمين منذ مئات السنين كمبدأ سد الذرائع ونحوها، وهناك فريق ثالث وأنا منهم يميلون إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة على أن يوضع لذلك من الضوابط اللازمة ما يصون كرامة المرأة ويؤدي لحمايتها، كأن يحدد وقتاً لقيادة المرأة السيارة، بأن يبدأ مثلاً من شروق الشمس إلى غروبها، وأن يحدد عمر المرأة التي يحق لها قيادة السيارة ونحو ذلك.

* بالنسبة للسينما والمسرح، فالمعروف أن التلفزيون قد دخل غالبية بيوتنا، ومع تطور تقنية البث أصبح يستقبل اليوم كل ما هب ودب، مما يعني أنه أخطر من السينما التي تخضع جميع الأعمال التي تعرض فيها لمقص الرقيب، لماذا إذاً التحفظ على السينما والمسرح مع أن وجودهما بالإضافة إلى ما ذكر سوف يفتح أفقاً جديدة للترفيه البريء للمواطنين والمقيمين، كما أنه سوف ينعش الحركة الاقتصادية ويسهم في حل مشكلة الفراغ لدى الشباب والمتقاعدين والمقيمين ويقلل من سفر المواطنين للخارج ونحوهم، فالملاحظ أنه عند السفر المواطنين لدول الخليج في الأعياد أو العطل نرى تدافعهم على دور السينما مما يعني أن وجودهما في بلادنا أصبح من الضروريات، كما أن وجود دور للسينما والمسرح سوف يساعد على تعود الناس على الالتزام بالأنظمة وتطبيقها لما يصاحب دخول السينما والمسرح والجلوس فيهما من تنظيم دقيق، إضافة إلى أنه سوف يخفف من استخدام المرور في الشوارع ونحوها ويقلل من وقوع الجرائم.

وبعد فإننا نخلص مما تقدم إلى أن مبدأ (إن الأصل في الأشياء الإباحة) يتمشى مع روح الإسلام وديمومته وسماحته وصلاحيته لكل زمان ومكان ويتعارض مع التشدد والتطرف في الأفعال والأقوال والحكم على الأشياء بدون أدلة قطعية، وأن مجتمعنا في حاجة إلى الرأي الأسهل إن وجدت عدة آراء في قضية معينة، وذلك مراعاة لظروف العصر الذي نعيش فيه، فإن لم يوجد فيها رأي معين فإنه في حاجة إلى تطبيق المبدأ المشار إليه حتى لا يكون مجتمعنا منعزلاً عن المجتمعات البشرية الأخرى وحتى يتناسب ذلك مع عظمة الإسلام وعالميته ومع ما لبلادنا من مكانة دولية وثقل سياسي.

sunaidi@mcs.gov.sa



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد