Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/02/2009 G Issue 13285
الاربعاء 16 صفر 1430   العدد  13285
لماذا نخشى النقد ؟!
د. عبد العزيز بن سعود العمر

 

ثقافتنا وعاداتنا العربية لها قصة طويلة مع النقد. يقول تاريخنا إن الأعرابي كان ينحر شاته الوحيدة إكراماً لضيفه رغم معرفته بأن تلك الشاة هي مصدر غذاء طفله. الحقيقة هنا تقول إن ذلك الأعرابي نحر شاته خوفاً من النقد، من الواضح أن لدينا ميل شديد نحو تغطية جميع نقائصنا وإخفاء كل مظاهر ضعفنا لكي نبدو أمام الآخرين عمالقة وفي أحسن حال.

نحن للأسف لا نؤمن بأن الفرد هو محصلة خليط من الثنائيات، خيرها وشرها، جميلها وقبيحها، وضيعها ورفيعها. الشخصية العربية لا تعترف إطلاقا بالضعف وتنكره مع أنه يطحنها، بل إنها تدعي الكمال وتنغمر في ثقافة (كله تمام). دعوني أعرض شواهد تعليمية تدلل على ما ذكرت. المثال الأول: انظروا إلى المعلمين تجدونهم يتحاورون في كل شيء إلا في مهنتهم، إنهم يتحاشون زيارة أو رؤية بعضهم بعضا في الفصل لكي لا تخدش الصورة المثالية الافتراضية التي يحملها كل معلم عن زميله. المثال الثاني: لقد طلبت من مجموعة من القيادات المدرسية التي أساهم في تدريبها بأن يصوتوا سرا على السبب الذي دعاهم إلى الالتحاق ببرنامجهم التدريبي، وكانت المفاجأة أن أحداً منهم لم يختر السبب القائل بأنه قرر الالتحاق بالدورة لأنه استشعر ضعفه في إدارته لمدرسته. مثال آخر: يزور مسؤول تعليمي كبير إحدى المؤسسات التعليمية التابعة له فتستميت تلك المؤسسة لكي توهم المسؤول بأنها في وضع مثالي (مصطنع) رغم كونها تعاني من نقص شديد في الإمكانات والمصادر، المنطق يقول إنه كان يجب على تلك المؤسسة أن تظهر أمام المسؤول في حالتها الطبيعية لكي تحصل منه على الدعم المطلوب، ولكنه الخوف من النقد. لقد نصحني أحد الزملاء قائلاً: ألحظ أن لديك ميلا واضحا إلى نقد التعليم، ألا تعلم أن هناك حاقدين قد يستغلون مثل هذا النقد، فقلت له على الفور العكس هو الصحيح يا صاحبي، الأمة التي تتلمس باستمرار أوجه ضعفها وتعترف بها وتواجهها وتضع لها الحلول الناجعة هي أمة عظيمة تستحق الاحترام، أما الأمة التي تتجاهل ضعفها وتنكره وتتعامى عنه، وتضع (الخمام) - حسب قول جيراننا الكويتيين - تحت السجادة فهي غالباً أمة شمولية تنحدر وتنهار. انظروا ماذا قال الأوروبيون والأمريكيون عن تعليمهم الذي جعلهم يقودون العالم ويسيطرون على جوائز نوين، يقول أحد تقاريرهم عن تعليمهم: عندما غاب عنا العقل انتجنا هذا التعليم المتدني، ويقول التقرير أيضاً: إننا بهذا التعليم الضعيف نكون قد اعتدينا على وطننا بأيدينا. أما نحن فلا نكره النقد فحسب بل ونصف من يمارسه بأنه متحامل وتنقصه الرؤية، ونصفه أحياناً بأنه متشائم، وهنا أتساءل كيف يفتري بعضنا على الحقيقة فيصف الناقد المهني للتعليم بأنه متشائم؟ النقد لا يعني التشاؤم. أما عندما تجبرنا الظروف على الاعتراف بخلل أو نقص في مجال تعليمي معين فإننا نكابر ونسارع عندئذ إلى القول بأن تلك الحالة التي انكشف عوارها هي حالة خاصة لا تساوي شيئا أمام بحر من الإيجابيات.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد