Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/02/2009 G Issue 13285
الاربعاء 16 صفر 1430   العدد  13285
أضواء
الصحافة الأخلاقية
جاسر عبدالعزيز الجاسر

 

إلى وقت قريب كان إخواننا العرب خارج الجزيرة العربية وساحلها الذي يضم دول الخليج العربية يوصموننا بالرجعية والتخلف، وأننا نبذِّر أموالنا ونصرفها على ملذاتنا ولهونا، ولا نقدم لأمتنا العربية لتحفيزها على التقدم ودفع مسار التنمية الحضارية والثقافية والفكرية والاقتصادية.

النظرة الضيقة لهؤلاء لم تتغير، وهم وإن صمتت قلة منهم، إلا أن نفراً قليلاً وقليلاً جداً يتحدث عما يقدمه السعوديون والخليجيون من مساهمات تنموية وفكرية واقتصادية. بل بعض من هؤلاء وللتنفيس عن (الغيرة) ولا نقول الحقد، أخذوا يتحدثون عن دول المركز والأطراف مصنفين السعودية ودول الخليج كأطراف.. وكأنهم غاضبون من انطلاق المبادرات الفكرية والتنموية، وتوجه السعوديين والخليجيين لتطوير بلدانهم من خلال الاستثمار في الإنسان والتنمية والاقتصاد والثقافة والفكر.. وما زاد توجيهه للاستثمار في المنطقة العربية لرفع المستوى الحياتي والتنموي.

في الخمسينيات من القرن الميلادي المنصرم، كانت شوارعنا متربة ومنازلنا مبنية بالطين واللبن ومعظمها تضاء بالسراج والفانوس، ونبحث عن علاج مرضانا خارج حدود أوطاننا، ومن أراد مواصلة تعليمه عليه أن يبحث خارج الوطن.. ومن يحظى بهذه الفرصة يُنظر إليه في البلد العربي الذي قصده للعلم وكأنه قادم من كوكب آخر، حتى أن أحد زملاء الدراسة في بلد عربي سألني في نهاية الستينات.. هل أحضرت الحذاء الذي تلبسه من بلدك كونكم جميعاً تلبسون النعال..؟!

ضحكت ورددت عليه.. أنت لا تختلف عن الأمريكيين والأوروبيين الذين يعتقدون أن كل (عربي لديه ناقة وجمل وبئر بترول في بيته)!!

طبعاً الأجانب لا يفرقون بين عرب الخليج وعرب الشام وعرب إفريقيا.. وكنا نحاول أن نشرح لهم ونوضح الأمر، ولأنهم يبحثون عن الحقيقة يفهمون ويتعلمون، أما إخواننا فلا زلنا - حسب رأيهم- رجعيين ومتخلفين على الرغم من أننا لم نبذِّر أموالنا لإثارة الحروب والفتن والمؤامرات وتمويل شراء أسلحة ونبعثها للشعوب لتقتل بعضها البعض، بل استثمرناها وأنشأنا بها منازل مريحة وصروحاً طبية وجامعات وكليات ومدارس حتى أصبحنا نفخر بوجود أفضل جامعة للتقنية والعلوم (جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية)، وأفضل المستشفيات التخصصية (مركز الملك فيصل التخصصي) ومستشفى الملك خالد للعيون ومدينة الملك عبدالعزيز الطبية وصنواتها مدينة الملك فهد الطبية وغيرها من مستشفيات في جميع مناطق المملكة.. وهذه الصروح الطبية والجامعات والمراكز العلمية، نجدها في الدوحة والكويت وجدة، والدمام ودبي وأبوظبي والشارقة ومسقط وصنعاء.

أما أموال أهل الجزيرة والخليج العربي فتسهم في تنمية وتطوير الاقتصاد العربي عموماً، حيث يشكل الاستثمار السعودي والخليجي النسبة الكبرى ويحتل الصدارة في جميع الدول العربية.

أما الإشعاع الفكري وهو الدافع الذي حفزني على كتابة هذه المقالة، فإن المنصف يرى أن الاهتمام في تشجيع الإبداع ودعم الفكر العربي ومخرجاته سواء بمدَّ يد العون للمؤسسات الفكرية والثقافية أو إطلاق المنديات والجوائز والمسابقات التي أصبحت السمة البارزة للمملكة ودول الخليج العربية، فبالإضافة إلى مهرجان الثقافة والتراث (الجنادرية) وجائزة الملك فيصل العالمية وجائزة الصحافة العربية التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد من خلال نادي دبي للصحافة ومبادرات الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة والجوائز التي أطلقها أبناء الشيخ زايد آل نهيان - رحمه الله - ومؤسسة الفكر العربي التي أقامها وأنشأها رهط خير من المفكرين والقادرين مالياً يقودهم الأمير الشاعر خالد الفيصل، وهذا العمل امتداد لمبادرات الأدباء والمفكرين السعوديين والخليجيين، فبالإضافة إلى مسابقات وجوائز الأندية السعودية تبرز جائزة الأديب الإماراتي سلطان العويس والشاعر الكويتي عبدالعزيز البابطين الذي أصبحت جوائزه للأعمال الشعرية ذات قيمة أدبية عربية ودولية.

أما آخر الجهود والمبادرات الخليجية التي تؤكد انتقال الريادة إلى من كان تطلق على دولهم دول الأطراف هو ما تشهده إمارة دبي (جوهرة دولة الإمارات العربية) هذه الأيام من فعاليات للصحافة الأخلاقية التي تنظمها جمعية الصحافة الإماراتية مع الاتحاد الدولي والتي يشارك فيها عدد كبير من الصحفيين المفكرين الذين يتكئون على رصيد فكري وثقافي وخبرة تراكمية ومدعومين بعدد من الأكاديميين الإعلاميين ومساهمة من ممثلي المجتمع المدني.

مبادرة مثل هذه، تكشف بأن أهل الخليج والجزيرة، لم يبقوا أسيري الأنماط التقليدية.. فهذه المبادرة تحدد وتطلق الأهداف الفلسفية للصحافة الأخلاقية من خلال دراسة وعرض تجارب وممارسات الصحفيين والمهنيين الذين يحضرون المؤتمر.. وهو ما يعد إضافة متواصلة من أهل الجزيرة والخليج للانطلاقة الفكرية العربية.



jaser@al-jazirah.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد