Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287
حكم الإحراق بالنار
حمد بن عبدالله بن خنين *

 

حكم الإحراق بالنار من الأحكام الفقهية التي وردت محل تفصيل، حيث جاءت بالنهي لما رواه عبدالرحمن بن عبدالله عن أبيه قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش. فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من فجع هذه بولدها، ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داود 2676. قال النووي: بإسناد صحيح، رياض الصالحين 297. وما رواه حمزة الأسلمي - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بسرية فخرج فيها فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن أخذتم فلاناً فأحرقوه، فلما وليت ناداني، فقال: إن أخذتموه فاقتلوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أحمد 15727، وأبو داود 2674، وأبو يعلى 1536، وما رواه أبوهريرة - رضي الله عنه - قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فقال: (إن ظفرتم بفلان وفلان فأحرقوهما بالنار، حتى إذا كان الغد بعث إلينا فقال: إني قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين ثم رأيت أنَّه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا الله، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما) رواه بن أبي شيبة 28877 والدارمي 2461.

وسئل شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - عمن تسلط عليه ثلاثة: الزوجة والقط والنمل، الزوجة ترضع من ليس ولدها وتنكد عليه حاله وفراشه بذلك، والقط يأكل الفراريج والنمل يدب في الطعام. فهل لهم حرق بيوتهم بالنار أم لا؟ وهل يجوز لهم قتل القط؟ وهل لهم منع الزوجة من إرضاعها؟ فأجاب: (ليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج، والقط إذا صال على ماله فله دفعه عن الصول ولو بالقتل، أما النمل فيدفع ضرره بغير التحريق). الفتاوى 32-273.

والبعض يرى جواز الحرق لما رواه أبوهريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نحلة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى الله إليه، فهلا نملة واحدة) رواه البخاري 3249 ومسلم 5802 قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى: (استدل بهذا الحديث على جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه ولا سيما أن ورد على لسان الشارع ما يشعر باستحسان ذلك) فتح الباري 6-515. وقال السفاريني رحمه الله تعالى: قال الحجاوي: جواز إحراق الزنابير إذا حل بها ضرر شديد ولم تندفع إلا به، وعند النسائي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بحرق جُحرها عليها. ولذا ذهب أحمد إلى أن إحراق الأشياء المؤذية جائز وبه أفتى بجواز إحراق الزنابير وغيرها من المؤذيات، فيض الباري 3-297، بل ذهب بعض الصحابة وغيرهم إلى جواز حرق الآدمي بالنار فإن جاز ذلك في الآدمي فغيره من باب أولى، ففي البخاري 3017 أن علياً - رضي الله عنه - حرق قوماً ارتدوا بالنار. وقد رواه غيره وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك. لأن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر - رضي الله عنه - أنه وجد في بعض النواحي رجلاً ينكح كما تنكح المرأة. فاستشار الصحابة وفيهم علي - رضي الله عنه - فأشار بإحراقه فأجمع الصحابة على ذلك فحرقه خالد بن الوليد ثم ابن الزبير ثم هشام بن عبدالملك. إعلام الموقعين 2-605. والذي أراه أن الحشرات والحيوانات الضارة التي يمكن عدها وحصرها فهذا لا يجوز حرقها بالنار قبل قتلها. أمَّا إذا كانت كثيرة ومضرة ولا تستطيع قتلها وأن القصد هو حماية النفس والناس من ضررها وحفظ حياتهم من خطرها فلا بأس بالإحراق كما هو الحال في نفوق أعداد هائلة من الطيور والحيوانات بسبب تفشي المرض فيها وسريانه في غيره فتحرق للقضاء على الفيروس المسبب للمرض أو الأذى. نسأل الله التوفيق والسداد وأن يعظم الله الأجر والمثوبة وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب.

* الستشار الشرعي
عضو الجمعية الفقهية السعودية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد