Al Jazirah NewsPaper Friday  13/02/2009 G Issue 13287
الجمعة 18 صفر 1430   العدد  13287

مفتي موريتانيا لـالجزيرة:
المؤهلون للإفتاء هم وحدهم المنوطون بالفتوى

 

نواكشوط - خاص ب(الجزيرة):

أكد فضيلة مفتي جمهورية موريتانيا الشيخ أحمد المرابط ضرورة توحيد كلمة المسلمين بشكل عام، وتوحيد رؤية علماء وفقهاء الأمة تجاه الفتاوى الخاصة بالنوازل.. وقال: إن الهدف من الفتوى جلب المصالح وتحقيق شرع الله.

وثمّن الشيخ المرابط دور المملكة في رعاية العلم والعلماء وطلبة العلم.. جاء ذلك في حوار ل(الجزيرة) مع الشيخ أحمد المرابط.. فيما يلي نصه:

* ما رأيكم حول توحيد الفتوى؟

- لا شك أن توحيد كلمة المسلمين في مختلف المجالات مطلب شرعي بالغ الأهمية، وقد توارد على الأمر به، والحث والحض عليه كثير من آيات كتاب الله تعالى، وكثير من أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، وقوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.

وإن من أهم الأسباب التي يتحقق بها توحيد كلمة المسلمين توحيد الفتوى بين من هم مؤهلون للفتوى؛ لذلك ينبغي للقائمين على الفتوى أن يوحدوا الفتوى، وإذا اقتضى النظر الاجتهادي اختلافا في وجهة النظر، فلكل مجتهد اجتهاده، لكن يجب أن يعتبر ذلك اختلاف تنوع وسعة ورحمة، غير متجاوز قضيته التي حصل فيها، ولا يجوز أن يجعل خلاف تناقض يؤدي إلى التفرقة، وعدم التوحد والتعاون في المتفق عليه.

* ما رأيكم حول من يصدر الفتوى عبر وسائل الإعلام دون تنسيق مع المرجعية المعتمدة لها؟

- من المعلوم أن الهدف من التشريع الإسلامي يتمثل في ثلاثة أمور، هي:

1- درء المفاسد.

2- جلب المصالح.

3- الاتصاف بمكارم الأخلاق.

وتحقيق هذه الأمور دائر على الفتوى، ومن هذا يتبين أن أمرها عظيم، وخطبها جسيم؛ لذلك يجب أن يعتمد لها من هو مؤهل لها، ممن توافرت فيه شروطها، وانتفت عنه موانعها، ويجب أن يبتعد عنها من ليس كذلك، والآيات والأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك كثيرة، فمن الآيات قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْه مَسْؤُولاً}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّه الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}.. ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح المتواتر: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، فعلى الذين يتصدون للفتوى دون توافر شروطها، وانتفاء موانعها، أن يتقوا الله تعالى ويستشعروا عظم جريمة القول على الله بغير علم، حيث جاءت مقرونة مع جريمة الشرك في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْي بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِه سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، وإذا استشعروا ذلك فلا محالة يقلعون، بل يبتعدون عن الفتوى في دين الله قبل أن تتوافر فيهم شروطها، وتنتفي عنهم موانعها، ولقد أحسن الناصح القائل في هذا المعنى:

إذا ما قتلت الشيء علما فقل به

ولا تقل الأمر الذي أنت جاهله

فمن كان يهوى أن يرى متصدرا

ويكره لا أدري أصيبت مقاتله

* ما مسؤولية علماء الأمة في تصحيح الصور المغلوطة عن الإسلام والمسلمين؟

- يحدد مسؤولية العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).. فعلى علماء الأمة أن يقوموا بتصحيح الأغلاط والأخطاء على ضوء هذا الحديث، عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، بالأساليب الواضحة التي تخاطب كل أحد بما يفهم.

* ما رأيكم في ارتباط علماء الأمة ببلاد الحرمين الشريفين؟

- إن ارتباط علماء الأمة الإسلامية ببلاد الحرمين أمر يدرك بالغ أهميته كل من له اهتمام بصالح الإسلام والمسلمين؛ حيث إنها هي مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وهي أفضل البقاع عند الله تعالى، والأعمال الصالحة فيها يتضاعف ثوابها، فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في غيره، وفي المسجد النبوي بألف صلاة في غيره ما عدا المسجد الحرام، وقد مَنّ الله تعالى بعونه وتوفيقه على آل سعود القائمين عليها، فهم - ولا نزكي على الله تعالى أحداً - ممن حبب الله إليهم الإيمان وزينة في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين، فقد قاموا بخدمات منقطعة النظير في مختلف مجالات العمل الإسلامي منذ عهد مؤسس الدولة السعودية الحالية الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى، وتوالت من بعده عهود أبنائه البررة على نهجه، وهم: الملك سعود، ثم الملك فيصل، ثم الملك خالد، ثم الملك فهد رحمهم الله تعالى، ثم الملك عبد الله - حفظه الله تعالى -، وإذا أردنا الدخول في تفصيل خدماتهم في مجالات العمل الإسلامي تحيرنا؛ فلم ندر من أين نبدأ ولا إلى أين ننتهي، وأنشد حالنا قول الشاعر:

تكاثرت الظباء على خداش

فما يدري خداش ما يصيد

والواقع المحسوس أكبر شاهد على ذلك، ومن أمثلته الخدمات الجليلة التي قاموا بها في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي الأماكن المقدسة الأخرى، التي توافرت بها الطمأنينة والخشوع للمصلين والمعتكفين، وتيسر بها أداء المناسك للحجاج والمعتمرين، والخدمات التي قدموها في مجال التعليم؛ فهذه المدارس، وهذه المعاهد، وتلك الجامعات تخرّج الأساتذة والقضاة والدعاة، وهذه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ولها دورها البارز وأنشطتها المتنوعة داخل المملكة وخارجها، وهذه هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، وتلك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وما من قطر من الأقطار إلا وفيه لهم خدمات متميزة لصالح الإسلام والمسلمين.

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلهم من المعنيين بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَة إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}، وبقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وبقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُه إِنَّ اللَّه لَقَوِي عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوُا الزَّكَاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّه عَاقِبَة الْأُمُورِ}.. كما أسأله تعالى أن يحق الحق بكلماته، ويجمع كلمة المسلمين على الحق، ويؤلف بين قلوبهم، ويوفقهم للتعاون على البر والتقوى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد