Al Jazirah NewsPaper Wednesday  18/02/2009 G Issue 13292
الاربعاء 23 صفر 1430   العدد  13292
مركاز
معتوق شلبي: رحيل القلب النقي
حسين علي حسين

 

هناك أشخاص ملامحهم أو مظاهرهم لا تدل على دواخلهم، لكنك حالما تقترب منهم وتجلس إليهم، ستجد أنك أمام فيض متعدد الجوانب من الصفاء والنقاء والنفس المطمئنة، ومن هؤلاء الذين اقتربت منهم وجلست معهم صديقي وأخي الكبير معتوق عبدالرحمن شلبي - رحمه الله رحمة واسعة - وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون المالية والإدارية السابق، فقد وجدت في هذا الرجل نقاءً وإيماناً عميقين وتقديراً للصغير قبل الكبير، وبعداً عن صغائر الأمور، وعونا للضعيف قبل القوي، إنه نقاء عزّ نظيره، وهو إلى ذلك شديد الدقة، بل إنني كنت أتصل به أحياناً للسلام أو لحاجة أريد مشورته فيها، فيكون خارج مكتبه، أو ربما خارج الرياض، ومع ذلك فلا يمضي وقت طويل على مكالمتي إلا وأجد اتصالاً منه مستفسراً أو مثمناً سؤالي عنه. وإلى ذلك فإن هذا الرجل يغضب لأقل هفوة تتعلق بمصالح الناس، ولو سردت الخصال الحميدة التي يتحلى بها أبو فهد لطال الشرح، وربما قيل إن مصالح كانت تجمع بيننا، مع أن كلينا بفضل الله بنينا علاقتنا على الصداقة والمودة، فلم يحصل أن طلبت ترقية أو انتداباً عندما كنت موظفاً في وزارة الثقافة والإعلام، وقد غادرت الوظيفة قبله مكرهاً رغم إدراكي أنها مصدر العيش الوحيد الثابت والمضمون لي، وقد حاول - رحمه الله - أن يثنيني عما انتويت، لكنني ركبت رأسي وخرجت بمعاش لا يسمن ولا يغني من جوع، وبعد تقاعدي المبكر بأيام زال ما كنت اشتكي له منه، هل كان يعرف ذلك؟ أم حدسه وحبه لي جعله يحاول أن أبقى في الوظيفة رغم ما كنت أعانيه!

وأبقى مع سيرة المرحوم معتوق شلبي لأروي فلسفته في خدمة الناس من خلال مركزه الوظيفي، فقد قال لي: (شوف يا حسين!.. إذا كنت أستطيع تلبية رغبة مراجع يمكن لو خرج من عندي دون تلبيتها، فلباها له موظف أكبر أو أصغر مني، في هذه الحالة لماذا لا ألبي لمن قصدني هذه الرغبة، طالما هي لا تؤثر على سير العمل أو يكون في تلبيتها إضرار بموظف أو بمصلحة العمل!).

ولذلك فإن باب مكتب معتوق شلبي كان مفتوحاً على الدوام، من السابعة والنصف صباحاً وحتى انصراف الموظفين إلى منازلهم، وهو خلال ذلك يستقبل الموظفين والزوار، ويقدم لهم القهوة والشاي، ويبت في المعاملات ويرد على الهاتف الذي لا يكف عن الرنين. سياسة الباب المفتوح أكسبت معتوق شلبي احترام ومحبة من يطلبه لحاجة أو مشورة، ولم تجعله يقصر في عمله أو التزاماته الوظيفية لحظة واحدة!

كان عشقه للوظيفة لا حدود له، ولا يهم كم يأتي إليه من هذه الوظيفة التي أفنى عمره فيها، لقد قال لي مرة أنه تلقى عرضاً من أحد الإعلاميين الكبار الذين يتعاملون مع وزارة الثقافة والإعلام، لكي ينتقل للعمل معه، بعد حصوله على التقاعد، مقابل راتب يزيد عن راتبه، لكن معتوق قال لي: إن عشقه للعمل الحكومي لم يخضع أبداً لما يدخل إليه منه، فالحكاية من البداية رجل تربى على الوظيفة، ولو تركها سيحس أن شيئاً ما يفتقده، لا تعوضه وظيفة في مكان آخر.

لكن التقاعد عندما أتى، أتى معه التمديد مرة أو مرتين، ليظل معتوق شلبي - رحمه الله - في مكانه الذي أحب، حتى حصلتله الأزمة الصحية الطويلة التي انطلقت أو بدأت من على كرسي الوظيفة، وهو يتهيأ ليوم جديد، لينتقل مجلسه بعد استقرار حالته الصحية إلى منزله العامر، وفي هذا المنزل كان يتسقبل مساء كل جمعة زواره من محبي الأدب والثقافة وزملاء العمل، كان ذلك اللقاء الأسبوعي لقاءً في محبة ومودة رجل نقي، خرج فلم ينسه من عمل معه أو زاره أو تعرف عليه لحاجة أو مصلحة أو عمل بينه وبين الوزارة، وهي حالة نادرة، وإلا فإن العديد من المسؤولين يشعر من كانوا يعملون معهم عند مغادرتهم لكرسي الوظيفة، وكأن كابوساً قد زال عن صدورهم إما لتسلط ذلك المسؤول أو لعدم تحسسه لمشاعر وهموم موظفيه، وإما لتكالبه على الوظيفة وتسخيرها لأطماعه ومنافعه، وفوق البيعة منافع أهله وأصدقائه!

معتوق عبدالرحمن شلبي حالة نادرة، له قلب طفل، وصلابة رجل، ودقة مسؤول، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل مثواه الجنة، وجبر نفوس وقلوب أهله ومحبيه، إنه سميع مجيب.

فاكس 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد