اطلعت على ما كتبه شيخنا سعد بن عبد الرحمن الحصين في هذه الجريدة الكريمة في يوم الجمعة عدد (13287) بعنوان: مهزلة بيانات علماء الأمة بزعمهم وقبل أن أدخل في الموضوع أحب أن أعلم القارئ الكريم بأن الشيخ سعد الحصين من علماء هذا البلد الكريم ومن جنود الله الخفيين ومن عباد الله الناصحين -أحسبه كذلك والله حسيبه- وقد درس في دار التوحيد والتحق بكلية الشريعة بمكة وتخرج منها عام 1374هـ وكان الأول على دفعته، وقد حصل على الماجستير، وعزف عن السعي في تحصيل الدكتوراه لأنها في نظره لا كبير فائدة منها، وقد طاف أكثر من ثلاثين بلاداً في العالم، فشاهد الأوثان والمزارات والبدع والمحدثات وعرف الجماعات المسماة بالإسلامية عن قرب بل خالط جماعة التبليغ وسافر معهم وكان ينصحهم بل وكتب إلى رئيسهم في ذلك الوقت فلما تبين أنهم لا يقبلون النصح ولا يدعون إلى الله على منهاج النبوة حذَّر منهم وكتب فيهم ثم بعد تقلبه في عدة مناصب ألح عليه الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- بأن يكون مشرفاً على الدعوة والدعاة بالأرض المباركة (الشام) فاستجاب لطلب الشيخ فمكث فيها قرابة ربع قرن، وكان الشيخ العلامة عبد الله بن حميد -رحمه الله- يفرح بكتاباته في مجلة الدعوة عام التسعين وما بعده وله ما يقارب من ستين رسالة من مؤلَّف ومختصر ومهذب غير مقالاته الكثيرة التي جمعت في عدد من الأجزاء حيث بلغت ما يقارب الخمسة، وله موقع على الشبكة العالمية (النت) باسمه وقد حوى على غالب ما كتبه وله جهود ظاهرة في إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد محاولاً السير على منهاج النبوة.. ولا تعجب إذ يختم كتاباته وشفاعاته بعبارة (الدعوة على منهاج النبوة) ومن عاشر الشيخ علم حقيقة الزهد والورع والعبادة ومحاولة تطبيق السنة فمن عجائبه -وهي كثيرة- أنه ينام بعد صلاة العشاء مباشرة، ولا يأكل في اليوم إلا وجبة واحدة، ومرابط في المسجد قبل المغرب إلى صلاة العشاء وهو على ذلك من ثلاثين سنة، ودائماً يقول: لو جاء الموت لم أتمن تأخيره، بل لو جاز لتمنيت تعجيله ما دمت أتمتع بقواي لئلا أكون عالة على أحد، وهو محل لثقة وتقدير العلماء الناصحين وولاة الأمر -وهو أهل لذلك- .
أما مقاله الذي كتبه فهو يدل على بُعد نظر وسداد رأي يدل على ذلك أمور:
1 - إنه موافق بكلام هيئة كبار العلماء في أن الأمور العامة للمرجعيات العلمية التي أُنيطت بها الأمور، فحين كتب بعضهم (مذكرة النصيحة) ووقَّع عليها الباقون وهم عدد من المدرسين وبعض المنتسبين للعلم صدر بيان من هيئة كبار العلماء برئاسة الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في استنكار هذا الفعل، وأنه مشتمل على باطل وأنهم بهذا الفعل سعى الموقّعون لترويج أسباب الفرقة وزرع الضغائن، وأن هذا العمل عمل مخالف لمنهج النصيحة الشرعية، ومنهج النبي - صلى الله عليه وسلم- بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة ويجمع القلوب ويلم الشمل، كما ورد في البيان ومنه: التحذير من الارتباطات الفكرية المنحرفة والالتزام بمبادئ جماعات وأحزاب.. بل يجب أن يتمسك أهل هذه البلاد بما عليه السلف الصالح من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة من غير اختلاق العيوب أو إشاعتها.
2 - إن معالي الشيخ العلامة صالح الفوزان -متعه الله بالصحة والعافية- سُئل عن هل تنصحون طلبة العلم بتوقيع البيانات الجماعية التي تتناول بعض المنكرات؟
فأجاب حفظه الله بقوله: الأمور العامة يُرجع فيها إلى العلماء وإلى أُولي الأمر، قال جل وعلا: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، فالأمور العامة التي تهم الأمة ولها مآلات مستقبلية هذه لا يدخل فيها الأفراد وإنما يُرجع فيها إلى أهل الحل والعقد من العلماء وولاة الأمور ولا يصدر البيانات والفتاوى العامة إلا الجهة المختصة بالفتوى (ما كل واحد يفتي، هذه فوضى ولا تصلح).
3 - إن تلك البيانات تؤجج الصراع وتضعف المرجعية العلمية وأهل الحل والعقد ولها سلبيات كثيرة وغالبها شحن للنفوس على ولاة أمرها وتأليب رأي العامة على المسؤولين.
4 - كثير ممن ورد اسمه في أسفل البيانات ليس من أهل العلم ولا من طلبته وأنا أعرف كثيراً منهم فلما نُوصح عن التوقيع مع تلك البيانات وعن أخطائها قال: أُِتيت الورقة لي فوقّعت!!
5 - ليت الذين أشغلوا أنفسهم بهذه البيانات نصحوا من انتصروا لهم في تلك البيانات من الدعوة للتوحيد والنصرة الحقيقية باتباع محمد صلى الله عليه وسلم فمثلاً: لعن الرب -عياذاً بالله- منتشر انتشاراً عظيماً في بلاد الشام وبخاصة فلسطين، ثم القبور في قصدها والتقرب لأصحابها على أشده وما الحرم الإبراهيمي الشريف (الذي ليس بحرم ولا إبراهيم ولا شريف) حيث يوجد به سبعة أوثان تُعبد من دون الله، وكذا مقام سارة فيه مقصد كثير من الناس.
أسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ويردهم إلى ربهم رداً جميلاً.
د. عبد الله بن عبد العزيز العنقري – الرياض