Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/02/2009 G Issue 13295
السبت 26 صفر 1430   العدد  13295
بدل معلم أطفال
د. محمد أبو حمرا

 

يقول الأولون فيما أثر عنهم (كل قرين بالمقارن يقتدي) أي أن من عاشر قوما صار متأثرا بسلوكهم ومفاهيمهم وكذا يتأثر بشدة ووضوح بعقلياتهم؛ ولعل الجاحظ فيما يروي عن معلمي الصبيان من قوله:

معلمو الصبيان تغلب عليهم الغفلة والبراءة. ربما كان صادقا؛ وخاصة من يقومون بتعليم طلاب المراحل الابتدائية؛ حيث تجد أنهم من أكثر الناس طيبة قد تصل إلى حد البراءة المذمومة أحيانا!!

ولعل مرد براءتهم يعود إلى أنهم يحاولون أن ينزلوا إلى مفاهيم الطلاب الذين يدرسونهم؛ وهكذا كل يوم يمارس هذا العمل حتى يفقد الحنكة والدهاء وتغلب عليه الغفلة والطيبة المتناهية أو لنقل السذاجة بحكم محاولته ممارستها مع الطلاب حتى تصبح طبعا لا تطبعا.

ومدرسو الابتدائية من أكثر الناس سعة بال وخلق؛ فلا يغضبون بسرعة مثل غيرهم من موظفي القطاعين العام أو الخاص، ولا يهتمون بكثير من التفريعات في الحديث؛ لأنهم ممارسون للبساطة والحديث المباشر.

وميزة مدرس الصفوف الابتدائية أنه يصبر على كثير من المنغصات في مجال عمله، خاصة الأسبوع الأول من استقبال الطلاب الجدد، فهو للطالب مثل أبيه تعاملا، بل أكثر رأفة ومداراة منه، لذا يتعلق بهم الصغار، حتى أن الطالب يغلط أحيانا وهو يحدث أباه فيقول بدلا من يا أبي: يا أستاذ!!

وأظن أنه لا توجد وظيفة أكثر تعبا ونصبا من معلم الصبيان في الصفوف الأولى، ومع ذلك فنصابهم ونصاب مدرسي المتوسطة والثانوية متماثل، وسلم رواتبهم متقارب، أي أن لا ميزة لمدرس الصفوف الأولية بالرغم من عنت المهمة وصعوبتها، وبالرغم من أنه هو الذي يعجن التلميذ لمستقبل مشرق عندما يكون ذا قدوة وكفاءة يعطيها للطالب ليستفيد منها مستقبلا.

معلمو الصفوف الأولى في أية مدرسة فئة تعطي الكثير وتتعب بأكثر جهد وعقل، ليس كمثل غيرهم من المدرسين، لسبب بسيط جدا، وهو أنهم يخاطبون فئة تتلقى ببطء وتفهم ببطء وتتجاوب ببطء، لذا فالأثر النفسي والجسدي عليهم غليظ أكثر من غيرهم، ومع ذلك لا نرى لهم أية ميزة تميزهم عن غيرهم من المماثلين لهم في حقل التعليم.

وربما قال مدرس المرحلة المتوسطة إنهم أكثر تعباً من الابتدائية، لأن طلاب الابتدائية أكثر هدوءا وأحرى بأن يصغوا للتعليمات من صفوف المتوسطة الذين هم على مرحلة المراهقة، ثم يأتي مدرسو الثانوية ليقولوا نحن أشد وطأة من غيرها، لأننا نتعامل مع كبار في السن وكبار في المراهقة والتغيير الفسيولوجي والمنطقي، وهنا الصعوبة الأكثر، لكن مهما يكن فمدرس الصفوف الأولى يكفيه تعبا أنه يتعامل مع طفل لا يعرف كيف يذهب للمقصف أو غيره من منافع المدرسة!! فليت أن يكون لهم ميزة يحسون معها أن جهدهم مخلوف.

فاكس: 2372911


Abo-hamra@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد