Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/02/2009 G Issue 13300
الخميس 01 ربيع الأول 1430   العدد  13300
ايقاعات
الشعر الشعبي.. وإيقاظ القبيلة
تركي العسيري

 

لابدَّ لي في البدء أن أعترف أنني لست ضد الشعر العامي كحالة إبداعية، بل أنني من المتذوقين له، والمستشهدين ببعض أبياته خاصة تلك التي تلامس بعض جوانب حياتنا بلهجتها البسيطة، وإيماءاتها اللطيفة، غير أن ما يحدث اليوم من انتشار القنوات الشعبية، والمجلات ذات الألوان الفاقعة، ومشاركة الشعراء في المنتديات الأدبية، والمسابقات المختلفة.. حتى وصل إلى (سوق عكاظ) المنشأ حديثاً.. يجعلني أحس بخطورة هذا الانتشار المرعب.. الذي وصفه ذات يوم مبدعنا الكبير الدكتور (غازي القصيبي) بأنه (تسونامي) حقيقي يبتلع كل إبداعاتنا الأصيلة!.

وأذكر أنني قد نبهت قبل سنوات من خطورة ذلك.. بالذات ما يحدث في الحفلات، والأعراس من تمجيد للقبيلة، والتغني برجالاتها وتاريخها، والتعريض ببعض القبائل وأصحاب الحرف، مما جعل بعض القبائل تقيم في المحاكم دعاوى ضد أولئك الشعراء، وكان من نتيجته تقديم شاعرين شعبين عُرفا (بالفرزدق وجرير) إلى المحكمة والتي أصدرت بحقهما حكماً شرعياً لقاء هجائهم وعباراتهم وانتقاصهم من الآخرين.

هو ذا ما نخشاه.. فإيقاظ القبيلة من سباتها، هو خطر على الوحدة الوطنية التي طالما افتخرنا بها، فعن طريقها ذابت الفوارق والطبقات، وبتنا شعباً واحداً لا فرق فيه لمواطن على الآخر إلا بمدى ما يقدمه لهذا الوطن من جهد وعطاء وصدق انتماء.

لقد ساد الشعر العامي في عصور التخلف، وانتشار الأمية، والاقتتال القبلي، ومن المعيب أن يتكاثر هؤلاء الشعراء في عصر النور والعلم والوطن الواحد الذي انصهرت فيه القبائل والأعراق لتشكل بنيانا صلبا لوطن عظيم أرسى دعائمه بتوفيق من الله صقر الجزيرة الملك (عبدالعزيز آل سعود) غفر الله له. كما أنني أعتقد أن هذا الطوفان الذي نلحظه عبر وسائل الإعلام المختلفة هو خطر محدق باللغة الفصحى والتي (وسِعت كتاب الله لفظاً وآية) التي ينبغي أن نحافظ عليها، بوصفنا وطن الفصحى والمدافعين عنها، والعاضين عليها بالنواجذ.

أحياناً.. أتساءل، وأنا أقرأ هذا الكم الهائل من الشعر العامي، وألحظ مدى الاحتفاء به، وبقائليه.. لمصلحة من يتم ذلك؟

وفي أي زمن يعيش هؤلاء الشعراء الشعبيون الذين ابتلينا بهم، وبغثائهم، وسطحيتهم وبدورهم المشين في تعميم العادي والرديء والكلام الملحون الذي يدمر ذائقة النشء. الملفت أن من يطلع على المجلات الشعبية والتي يفترض أن تحمل قيماً لمجتمع البادية، ومثلها العليا.. سيفاجأ بصور الممثلات والمغنيات تتصدر أغلفتها.. من (نانسي عجرم) و(هيفاء وهبي) و(زينب العسكري) و(إليسا) وغيرهن.

وأتساءل. ما العلاقة التي تربط بين شمس البادية الحارقة وبين هذه الوجوه الصبوحة؟!

المهم، أن انتشار الشعر العامي وذيوعه والاحتفاء به والترويج لحفلاته ومسابقاته ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة، ومن المفيد أن تحد من انتشاره حفاظاً على قيمنا، ولغتنا، وإلا فإن علينا أن نتوقع أن ينشأ بيننا جيل من الأبناء الذين لا يكادون يحسنون قولاً.. فقد نشأوا بين (أحضان) الشغالات.. وتتلمذوا على مفردات الشعر العامي الملحون، ومذيعات الفضائيات اللائي (يلتهمن) نصف حروف الهجاء.. وإلى الله المشتكى!!

تليفاكس 076221413


Alassery@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد