Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/02/2009 G Issue 13300
الخميس 01 ربيع الأول 1430   العدد  13300
لما هو آت
المجاز...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

هناك مجازات عديدة في حياة الإنسان، غير أن الخصوصية هي التي تسبغ دلالتها على المعنى من وراء مجازات التفكير والممارسة، إذ ليس الحرية التي يمارسها امرء هي التي يفهمها الآخر فتأتي ممارسته لها مطابقة، وليس اليقين عند إنسان تنطلق عنه قناعاته وأفعاله بل لا يحيد في أقواله عن منظومة ما يعبر عنه تماماً، كما هو عند آخر, وقياساً على كلمتي الحرية واليقين، يمارس البشر أفعالهم وأقوالهم ويبصمون آثار خطواتهم وأفكارهم في مرآة واقعهم، لكن هناك قواسم مشتركة بين جماعات البشر تمتد لتمثل مفاهيم المجتمعات عن اليقين والحرية، وتضيق لتعني صاحبها الفرد وتنجلي في سلوكه المعبر عنها، هذا إن لم تكن هناك جماعات مصغرة تنتمي له وتنضوي تحت مظلة دلالة المفهومين عنده، أو عندهم،.. فالحرية المثالية هي شريعة السماء التي جاء بها الإسلام ولا يقبل أن يتخطى كائن من المسلمين من كان حدودها، والتخطي الأكبر هو الحياد عن طاعة الله والامتثال لأوامره ونواهيه، ومن ثم فإن الحذو وفق خطوط أخلاقه في ممارسة ما يصدر عن المرء وما يرد إليه بدءاً بالفكرة وانتهاء إلى كيفية تناول اللقمة فيه حرية مطلقة لكنها منضبطة في مسلك الفرد عند ممارستها وغير مقيدة بفرض كيفية ممارستها إذ هي طيعة لخصوصية الفرد في هيئاتها التي تمثله وتعكس فرديته، فهناك الأعلى درجة في مثاليتها وهناك من يتأرجح في ذلك عند ممارستها.., كذلك اليقين في أول سلمة دلالاته الإيمان بالله وما يقيده ضمن صفة الإسلامية، وانطلاقاً ليقينه الممثل لقناعاته الأخرى التي هي عند المؤمن التقي لا تخرج البتة عما يلزمه فكراً وسلوكاً في الأقوال والأفعال بيقينية إيمانه.., لكن الناس تخلط في كثير بين الحرية واليقين وبين ما تتيحه مجازية دلالات هاتين الكلمتين، وهؤلاء الشرائح من البشر هم الذين يمحون عن الفردية والجماعية بل مجتمعاتهم خصوصية الانضواء تحت مظلة المفهومين في أول دلالاتهما المقيدة بالإيمان.

وتفسيراً لهذا نجد المجتمعات المسلمة لم تعد انفلاتة الحريات فيها منوطة بالأفراد ولا الثلل بعينها بل الشعوب، وكذلك اليقين ليس مرتبطاً بنتائج ممارسة الحريات وما فيها من حصاد خيبات وخسائر على مستويين هما الدنيا والآخرة بل ارتبط بثقافات عصرية تواكب حركية الحياة من حولهم، لذلك توسع المجاز في دلالات المصطلحات على مستوى الممارسات، وغدا الميزان مائلاً في طريق الدنيا مكمن المعاش، ومضمار العمل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد