Al Jazirah NewsPaper Friday  27/02/2009 G Issue 13301
الجمعة 02 ربيع الأول 1430   العدد  13301

توجيهات للشباب: حقّ الوطن
د. محمد بن سعد الشويعر

 

إن مفهوم الوطنية يعني المحبة وصدق الولاء، ومحبة الوطن مرتبطة بطاعة ولاة الأمر، وعدم التهاون في هذه الطاعة لأن أمرها عظيم ولأن الله سبحانه قرن طاعته، وطاعة رسوله، بطاعة ولاة الأمر، بأكثر من حالة في كتابه العزيز. ولا ينمو المجتمع، وتستقيم أمور الأمة: أمناً ورخاء، ما لم يستجب أبناء هذا المجتمع، وفي مقدمتهم الشباب، لطاعة ولي الأمر حيث ألزم الله بعهد يجب الوفاء به، لأهمية هذه الطاعة، امتثالاً في العمل واستجابة للتوجيهات...

...ومحافظة على الأمن، وتنفيذاً للأوامر التي يفرضها ولي الأمر، لأنها ما جاءت إلا من أجل مصلحة المواطن للترابط مع قيادتهم، ولم تخرج من مدلول هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، قال الصحابي ابن مسعود ): (إذا سمعت في كتاب الله يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فهو إما خير تؤمر به، أو شر تُنهى عنه)، ولا شك أن طاعة ولي الأمر المسلم خير ولمصلحة الوطن وأهله.

وعثمان بن عفان رضي الله عنه الخليفة الراشد الثالث يقول (يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..)، وقد جعل الله لولي الأمر سلطاناً، فهو بما ينظمه حارس أمين على البلاد بأمنها واستقرارها، منفذ لشرع الله في تطبيق الزواجر والحدود، التي ردع الله بها من يريد بالأمة شراً، بزعزعة أمنها، حتى يأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم لتهدأ بذلك نفوسهم.

وما ذلك إلا أن الله قد جعل لولي الأمر سلطة من شرع الله لمعاقبة المخالف، والقضاء على ما يخل بالأمن، بقطع دابر الأسباب والمسببات، وإقامة العدل، وتخويف ذوي النزعات، التي قد تظهر لدى بعض الشباب، والتأثير على تفكيرهم، فكن أيها الشاب بما منحك الله من إدراك وحسن استجابة، خير معين في التبصير بما يجب في مثل تلك النزعات.

والشباب منذ حداثة أسنانهم، ثم بعد دخولهم المدارس، يجب تنمية حق الوطن لديهم، ترسيخاً للمحبة التي لا تكون باللسان فقط، وإنما يصدق ذلك العمل، مهما جاءت المؤثرات التي يراد بها زعزعة هذا الولاء لولاة الأمر، المقترن بحب الوطن في مثل قول الشاعر:

بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام

ذلك أن من أحب شيئاً داوم عليه، وحقق النصح في هذا الحب، بصدق وانتماء، ثم تعلق القلب أداء ودفاعاً، وعدم الإنصات لمن يريد تفريق الكلمة، والمساس بالولاء، والأداء أيها الشاب في الوطنية يتم بحواس اللسان نطقاً، وهذا النطق يعبر عن مكنون القلب ولاء صادقاً، مثلما أن الإيمان: القاعدة الرصينة، من أسس عقيدة المسلم، الذي جاء في تعريفه أنه: تصديق بالجنان، وقول اللسان، وعمل بالجوارح.. وهذا ارتباط مع الله سبحانه، لا يخالفه إلا من في قلبه مرض، لأنه عضو فاسد في المجتمع.

وهذا المدلول أيها الشاب لا يجوز معارضته بمدلول آخر، يراد بثه في العرف الاجتماعي، وليد على مجتمعنا، ونحن بحمد الله تحت ولاية صادقة، حريصة على تمكين القاعدة العقدية، التي قامت عليها منذ عام 1157هـ في أدوارها الثلاثة.. ولم تتغير عن الاهتمام ببناء الوطن والمواطن، والمحافظة على دين الله، وإقامة شرعه.. فيجب على الشباب التمعن في الأمر، وأن يتأكد هذا الولاء مع ولاة الأمر الذين ثبتوا منذ تلك العقود، على ما قامت الدولة عليه، ورسخ ذلك الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي أصر في هيئة الأمم المتحدة عندما قامت وأودعت فيها كل دولة دستورها، فكان إصراره على أن دستوره القرآن الكريم، ولا نحيد عنه.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث رواه الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..) (متفق عليه)، فلا يصح أن يخدش حب الوطن المقترن بالاستجابة لولاة الأمر، الذين هم صمام الأمان حيث يسهرون للمحافظة على أمنك أيها الشاب، وأنت مستقر ونائم، ويهتمون بك وبأولادك وذوي قرابتك، بتوافر الخدمات، وفتح المدارس، ورعاية المصالح العديدة، وغيرها من أمور، لا يمكن التي أن تتوافر لولا ما هيأه الله من ولاية حانية، حريصة على أداء الواجب، نحو الوطن والمواطن.

فيجب على الشباب أن يرعوا ذلك، بإحساس عميق، وينشروه بين بعضهم؛ ليحافظوا على هذه المكتسبات، وأن يكون كل فرد مدركاً لذلك، ومقارناً المكاسب والمصالح، لما لدى كثير من أمم الأرض، والشكر لله سبحانه، على ذلك، وإدراك أن ما يوجه نحو هذه البلاد، ما هو إلا نفثات حقد، وتمنيات بإزالة هذه النعمة، لأن كل ذي نعمة محسود.

وتعرّف أيها الشاب على تعريف الحسد، الذي هو أول ذنب عُصي الله به على وجه الأرض وقام به إبليس لابن البشر آدم، وما تفضل الله به على آدم من نعم كثيرة، عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر.

ومن تعريف الحسد: تمني زوال النعمة عن الآخرين، وهي خصلة نمت عند اليهود، منذ بعث الله محمداً، وجاء ذكرها في كتاب الله الكريم. فيجب أن تحافظ على المكاسب الكثيرة المتاحة، وأن تكون عيناً يقظة تعين ولاة الأمر، في العمل الكثير المناط بهم حتى تكسب أيها الشاب الأجر في هذا العمل، علاوة على المصالح المتحققة، وإغاظة الحاقدين الذين يريدون التفريق بين الأمة، بأفكار وافدة. فإن للنص في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أهمية كبيرة في مقاصد الإنسان، ومنها الرابطة الوطنية، فستكون شرعية بحسن المقصد والوفاء تثاب عليه أيها الشاب، أو سيئة إذا كان الهدف: الإضرار والإساءة، تؤزر عليه، فتبوء بالإثم عند الله مما يوجب عند ولاة الأمر - الذين وفقهم الله في أمور كثيرة - لأن الله يدافع عن الذين آمنوا، فكن معيناً في قمع كل فتنة تبرز رأسها لتكون عضواً نافعاً لنفسك وأمتك ووطنك مستجيباً لولي الأمر.

ومن هنا فإن ما يتعلق بالوطن في جميع الأعمال، وبالنسبة للمكلفين: أمراً ونهياً وعملاً، وعلى من يدعي المحبة يجب على الجميع تحقيق ذلك بأمر محسوس، من حيث حفظ اللسان عما يناقض هذه المحبة، وردع نزعات النفس، أو الاستماع لمن يريد التغرير بالشباب ليفسد ولاءهم مستغلاً محدودية فكرهم.

لأن الواجب تنمية محبة ولاة الأمر، التي يبرز أثرها في العمل، وردّ الشبهات، والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة، قدوة بما فهمه علماء الإسلام منذ عهد الصحابة: سمعاً وطاعة، واستجابة ووفاء، إذ قال الصحابة لما بدأت تبرز الفتنة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطيعوهم ما أطاعوا الله فيكم، وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم). ونموذج الامتثال ما حصل من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي سجن وأوذي في فتنة القول بخلق القرآن، عندما طلب منه أن يدعو عليهم، فقال: لا لو أن لي دعوة مستجابة لصرفتها لولي الأمر، لأن صلاحه صلاح للأمة.

والشباب القدوة في المجتمع، فلا يجب أن يصرفهم صارف عن إبراز محبة الوطن المقرونة بالولاء لولاة الأمر، لأن من الولاء لهم: الطاعة والانقياد لتوجيهاتهم والسمع والاستجابة لما يصدر عنهم في كل أمر ينظمونه؛ لأنه لك أيها الشاب لتتبصر به وتنتفع أنت ومن حولك من المواطنين به، فتكون معيناً في التفهيم وتوضيح الفوائد، لمن كان جاهلاً، مع المقارنة بما لدى الآخرين.. وبضدها تتميز الأشياء.

يقول عليه الصلاة والسلام (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله. ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني).

وإن من محبة الله والولاء له محبة ولي الأمر وطاعته، ولاء وبراءة من غيره، ورداً لآراء المغرضين في أمور البلاد وقيادتها. وحق الوطن له مفهومان: البلدة التي نشأ فيها الشخص ولادة وصحبة، وتربى في ربوعها، وهذه تعتبر في اصطلاح بعض الناس: الأم الصغرى، كحب المجنون لديار ليلى، والوطن بشموليته وهو الدولة (المملكة العربية السعودية) التي مكن الله لها، ويتعاقب عليها ولاة الأمور، كابراً بعد كابر، ليرعوا مصالح العباد فيها، ويديروا أوضاعها، ببيعة شرعية مع الشعب: وفاء بعهد وعملاً بوعد.

وهؤلاء هم الذين أمر الله سبحانه وتعالى بطاعتهم، وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعتهم، والالتزام ببيعتهم، ولا يستقر أي أمر في بلد من البلدان إلا مع الوفاء لبيعة بصفقة يمين بالسمع والطاعة، والأمر الشرعي يوجب الالتزام بها وفاء مع الله، لأنها بيعة وعهد أمر الله بالوفاء به، ويحرم نقضها، حيث قال الرسول الكريم (من مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر مات ميتة جاهلية).

كما عاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر زاجر في حديث رواه مسلم لمن نقض العهد، وأراد تفريق الجماعة: عقاباً دنيوياً، وجزاء شديداً أخروياً؛ لأن المنظور الشرعي أيها الشاب لهذه المحبة المرتبطة بالوطن بشموليته (الأم الكبرى) حسب المفهوم السائد، الذي يعني (المملكة العربية السعودية) الالتزام بفكر سليم، وعقيدة راسخة، باليقين والعمل، لا بالقول.

لأن المحبة الشرعية لا تخضع للأهواء والرغبات الشخصية؛ إذ لا تكون وراءها مصالح خاصة {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}(58)سورة التوبة. كما هي حال المنافقين، الذين فضحهم الله في سورة التوبة.

وما ذلك إلا لأن المحبة الشرعية التي هي عبادة مع الله أولاً، ثم مع ولاة الأمر، ثباتاً في المنشط والمكره، وتعاوناً على حفظ أمن الوطن: حراسة محكمة حتى لا ينفذ العدو من بعض الثغرات، تقتضي أن تكون عيناً ساهرة لمصلحة الأفراد والجماعات، لذا يجب عليك أيها الشاب ألا تغير هذه المحبة، بما يقدح فيها، من أسباب ذاتية، مقترنة بطلب منافع، وبمظاهر مصطنعة، أو الخروج على الجماعة.

وإذا كان قد جاء على الألسنة، هذا القول: حب الوطن من الإيمان، فإن هذا مدخل عقدي للمنظور الشرعي قد انتصر له بعضهم بأنه من باب لا يحب الوطن إلا مؤمن، لأن حب الوطن لا ينافي الإيمان، ولا يخفى أن حب الوطن لا ينافي كمال الإيمان، ألا ترى الحديث (حسن العهد من الإيمان، وحب العرب من الإيمان).

عند النجاشي

جاء في كتاب: الروض الآنف: أن عمرو بن العاص قال: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش، كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون - والله - إني أرى محمداً يعلو الأمور علواً منكرا، وإني لقد رأيت أمراً، فما ترون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، وإن ظهر قومنا فنحن مَن قد عرفوا، فلن يأتينا إلا الخير، قالوا: إن هذا لرأي!! قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له، وكان أحب ما يهدى له من أرضنا الأدم - وهي الجلود -.

فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية، لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت هذا رأت قريش أني قد أجزأت عنها، حين قتلت رسول محمد، فدخلت عليه، فسجدت، كما كنت أصنع، فقال: مرحباً بصديقي، أهديت إلي من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم أيها الملك، قد أهديت إليك أدماً كثيراً، ثم قربته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا.

فغضب النجاشي ثم مد يده فضرب بها أنفه، ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرطاً (أي خوفاً منه)، ثم قلت له: أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر، الذي كان يأتي موسى لتقتله؟ قلت: أيها الملك أكذلك هو؟

قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهر على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم.. فبسط يده فبايعته على الإسلام، ثم خرجت على أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم، وإن الرجل لنبي، أذهب والله لأسلم. فحتى متى؟ قلت: والله ما جئت إلا لأسلم.

فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم خالد وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، فبايعته ثم انصرفت.

(الروض الآنف ج2 ص 112).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد