Al Jazirah NewsPaper Friday  27/02/2009 G Issue 13301
الجمعة 02 ربيع الأول 1430   العدد  13301
اصطدام الأقمار الاصطناعية.. الكابوس القادم
عبد الباسط شاطرابي

 

مثل ثورين هائجين، ارتطم مؤخرا قمر صناعي روسي متقاعد بقمر صناعي أمريكي للاتصالات، لينتج دوي فضائي هائل نحمد الله أنه لم يبلغ آذاننا، وإلا لصعقنا وتفجرت الشرايين في رؤوسنا جراءه. الحادث، الذي يعتبر الأول من نوعه، لم يكن أبدا مستبعدا عن الحسابات، فالفضاء يعج حاليا بأكثر من ثلاثة آلاف قمر اصطناعي، والرقم يؤشر لوجود بوادر اختناق مروري في المسارات المتاحة حول الفضاء الأرضي.

فإذا أضفنا لذلك ثلاثة آلاف قمر آخر خرجت عن الخدمة لكنها تسبح مع غيرها في ذات الفضاء، نستطيع ساعتها تخيل التكدس المروري الجاثم في الفضاء رغم رحابته، والأخطار الحقيقية التي باتت تتهدد البشر جراء ذلك.

التقارير الواردة من الغريمين السابقين (روسيا والولايات المتحدة) أكدت وقوع الاصطدام المروع، وأشارت المصادر الأمريكية إلى أن سحابة فضائية عملاقة قد نتجت من الانفجار الذي أعقب الارتطام، مشيرة إلى أن زوال تلك السحابة قد يستغرق عددا من الأسابيع. في حين أشار الروس إلى أن قمرهم المصطدم بالقمر الأمريكي متقاعد عن العمل، حيث إن مهمته قد انتهت منذ سنوات، فقد انطلق للفضاء عام 1993م، وكانت مهمته، فيما يبدو، عسكرية، إذ كان الصراع وقتها محتدما بين العملاقين الأمريكي والسوفييتي.

الخيال البشري لم يغب عنه أبدا احتمال التصادم بين الأقمار الاصطناعية، بل إن الكثير من الأفلام السينمائية تناولت أفكارا تدور حول اصطدام مركبات فضائية وأقمار بأجسام فضائية أخرى، كما أن الكثير من سيناريوهات حروب المستقبل تدور حول شل القدرات الفضائية للخصوم باستهداف أقمارهم الصناعية وتدميرها.

لكن الواقع العلمي، فيما يبدو، لم يواكب أبدا جموح الخيال لدى السينمائيين، فعلى الرغم من معرفة علماء الفضاء أن أعمار الأقمار الاصطناعية محدودة، وبالتالي ستشكل ازدحاما ومخاطر على الفضاء بمرور الوقت، لم يكترثوا كثيرا لآثارها، فقد راهنوا دائما على أن الأقمار عندما تشيخ تنفجر بعيدا، وأن شظاياها الخطيرة، التي قد تبلغ كل واحدة منها مئات الكيلوغرامات، سوف تتلاشي عند احتكاكها بالغلاف الجوي الأرضي، فتنمحي مخاطرها المتوقعة على البشر.

لكن الواقع، الذي لم يكترث له علماء الفضاء، أن العديد من الشظايا الفضائية قد عرفت بالفعل كيف تروغ من رقابة الغلاف الجوي، وكم من أخبار قرأناها وتابعناها حول سقوط أجسام فضائية على شكل كتل صلبة، وبعضها يكون مصحوبا بانفجارات كبيرة بسبب اختراقها لحاجز الصوت جراء التسارع الهائل في سقوطها، ولحسن الحظ أن مثل هذه الأجسام لم تعرف طريقها حتى الآن إلى المناطق المأهولة بالسكان في كرتنا الأرضية.

المشكلة أن الأخطار السابقة من سقوط الأجسام الفضائية على رؤوس البشر كانت محصورة في الأقمار الهرمة، لكن الأمر تغير الآن بعد التصادم القمري بين العملاقين. فالحادثة تدل على أن اصطدام الأقمار الاصطناعية لم يعد خيالا للسينمائيين، لكنه بات واقعا حقيقيا يحدث في فضائنا رغم محاولاتنا التغاضي عنه، وبذلك يمكن القول إن الكابوس الذي هربنا منه في منامنا أصبح يطاردنا الآن في يقظتنا، وأن عهد التصادمات القمرية قد بدأ شئنا الإقرار بذلك أم أبينا!

إن النتيجة المترتبة على الواقع الجديد هي أن نسبة الشظايا التي تروغ عن مصيدة الغلاف الجوي ستشهد تصاعدا، فالأمر تطور إلى أجسام تتصادم وتنفجر بعد أن كان محصورا في أقمار تشيخ وتتنحى. وعليه فإن نسبة الخطر الذي يمكن أن يحيق بسكان الكوكب الأرضي تكبر الآن مع كل صاروخ يحمل قمرا إلى الفضاء.

هناك جانب آخر من المخاطر التي أطلت برأسها، فالاصطدام الذي وقع بين القمرين الروسي والأمريكي فتح ملف المخاطر التي قد تحيق بالمحطة الفضائية الدولية، وهي المحطة التي يقيم فيها الآن ثلاثة من رواد الفضاء، حيث إن شظايا الانفجار تسبح الآن في مسارات منفلتة، وقد يتجه بعضها إلى موقع المحطة الفضائية. أضف إلى ذلك أن علامات استفهام قلقة بدأت تتصاعد خوفا على المرصد الفلكي العائم في الفضاء (هابل)، وهو الذي يسبر أغوار الكون ويقدم خدمات عظيمة لعلماء الأرض، حيث إن الشظايا الملتهبة قد تتجه إليه، رغم استبعاد العلماء لاحتمال إصابته أو الارتطام به، مثلما استبعدوا احتمالات توجه الشظايا إلى موقع المحطة الفضائية الدولية.

إن الأمر قد تكون له آثار نعرفها أو لا نعرفها، وقد لا تكون له آثار هذه المرة، لكن ملفا مقلقا قد انفتح ولا بد من الإقرار بخطره، وهو أن اصطدام الأقمار الصناعية أصبح واقعا بكل آثاره المحتملة، وأن الفضاء بدأ يضيق بالتزاحم القمري فيه، وحتى لو كانت تصريحات العلماء تحمل عبارات الطمأنينة لسكان المعمورة، فإن المخاطر المحتملة تظل جاثمة على الصدور، فالكثير من مفاتيح التحكم في الآثار ليست بيد العلماء، خصوصا حين تحدث الانفجارات في تلك الأصقاع الفضائية البعيدة، أو حين تتصادم الأقمار الاصطناعية، كما حدث للقمرين الروسي والأمريكي، فتقذف بأخطارها إلى مسارات لم تكن أبدا في الحسبان.

صحيح أن مخاطر المركبات في شوارع المدن تقض المضاجع وتستحق اليقظة والحذر، لكن يبدو أن عبور الشوارع أمسى الآن يتطلب النظر يمينا ثم يسارا، ثم البحلقة في السماء، قبل العبور الآمن إلى الناحية الأخرى من الطريق!!



shatarabi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد