Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/03/2009 G Issue 13303
الأحد 04 ربيع الأول 1430   العدد  13303
«أبي أنجح غصب وإلا تراني ابشتكيك!!»
د. خالد بن محمد الصغير

 

يبدو أن التحولات المتسارعة التي هبت على المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة كان لها انعكاس يمكن تلمسه في السلوكيات المستجدة على ساحة المشهد الاجتماعي، وتحديداً بعضاً من سلوكيات النشء، وبخاصة طلاب وطالبات الجامعات الذي يلحظ من أتيح لهم فرصةالتعامل معهم عن قرب أن الكثير منهم .....

..... يفتقر إلى الجدية، والحماسة اللازمة لتجاوز المرحلة الجامعية بنجاح، بل نجد أن العديد منهم يمارس ألواناً وأصنافاً شتى من الإهمال تتمثل في قلة الحضور، والمتابعة، وعدم تسليم ما يقوم الأستاذ بتكليفهم به من بحوث دراسية صفية، وعدم الإلمام التام بمتطلبات المادة والاقتصار على زيارة الأستاذ في مكتبه أثناء فترة الامتحانات لمعرفة الفصول المحذوفة، والتعرف على طبيعة الامتحان الفصلي، أو النهائي، والتغيب المتكرر عن حضور المحاضرات واختلاق الأعذار الواهية لعدم الحضور، واقتصار الطموح على تأدية الحد الأدنى الذي يضمن له النجاح في المادة، وغيرها من السلوكيات التربوية السلبية التي تنم عن عدم إبداء أية قدر من الجهد الذي يؤدي بالطالب الجامعي لجعل مسيرته وتجربته الدراسية في المرحلة الجامعية ناجحة مثمرة. وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، وإنما يلحظ أن الكثير من جيل الطلبة الجامعيين الحاليين يتحلون بأمر مستجد يظهر في الاستعداد للانقضاض الشرس، وإلقاء اللوم على أساتذتهم ما إن تظهر النتيجة عكس مرادهم، ولذا تجدهم بدلاً من التوقف مع أنفسهم ومحاسبتها عن القصور الذي مارسوه طيلة الفصل الدراسي واستحقوا بسببه الرسوب والإخفاق، نجدهم يرفعون عقيرة الشكوى الصارخة يكيلون فيها أقذع الأوصاف وأشدها تجاه معلميهم وكأني بهم يقولون: (إما أن تنجحني أو تراني ابتشكيك)، وربما أضافوا على هذا القول أيضاً: (بما أنها خربانة خربانة اسمح لي أن أقول عنكم واتهمك بما ليس فيك، فيكفيني أن أشفي غليلي، وأرفع ضغطك، وأشوه سمعتك لأنك رسبتني في الامتحان). ومن هنا يصدق عليهم المثل الشعبي القائل: (ظلمني وبكى وسبقني واشتكى).

وشكوى الطالب أو بالأحرى إبداؤه رأيه الموضوعي المتجرد في أستاذه حق أكاديمي مشروع مكتسب تضمنه التقاليد والأعراف الأكاديمية في التعليم الجامعي، ولكننا هنا لا نتحدث عما يقوم بمحاولة أمينة لنقل صورة حقيقية للمسؤول عن قدرات وإمكانات الأستاذ الجامعي، والاعتراض على ظلم حقيقي وقع عليه من قبله، وإنما نقصد أولئك الذين يمارسون الشكوى التي أقرب ما تكون إلى تلك التي يمكن وصفها بالكيدية والانتقامية التي يرمون من خلالها محاولة قلب الحقائق، وتشويه صورة الأستاذ، أو على أقل تقدير إلقاء اللوم على من قام بتدريسهم في محاولة منهم الهروب من تحمل المسؤولية، والاعتراف بتقصيرهم الذي استحقوا عليه الرسوب في المادة.

وهذا المنحى الجديد بحاجة ماسة إلى التوقف عنده لمعرفة أسبابه، ووضع الحلول المناسبة لتحجيمه واحتوائه قبل أن تتسع دائرته لمحيط يصعب معه السيطرة عليه. وهذا يتطلب معالجة تمس الشق الذي يخص الطالب نفسه والتي تتوقف بشكل رئيس على مدى نجاحنا في إكسابهم مهارات كيفية التعامل مع وقع الرسوب، وكذلك معالجة الجوانب الموجدة والمكرسة له من خلال البحث الجاد في أسباب نسبة الرسوب العالية في المرحلة الجامعية، ووضع الحلول الناجعة لها.

يبدو أن السلوك الاجتماعي الذي يتحلى به كثير من أفراد المجتمع والمتمثل في إلقاء اللوم على الطرف الآخر بدلاً من الاعتراف بأوجه القصور النابعة أساساً من الفرد والتي أدت بدورها للوصول إلى نتيجة سلبية ألقى بظلاله فأوجد جيلاً يسعى دوماً متى ما حلت به نازلة، أو مشكلة للبحث عن كبش فداء في محاولة مستميتة منه لإخلاء مسؤوليته، وإلباس التهمة في ما حدث لظروف خارجة عن إرادته. وهذا هو حال العديد من الطلبة الجامعيين الذين ما إن يعلموا برسوبهم في بعض المواد إلا وأخذوا يكيلون التهمة تلو الأخرى لأساتذتهم متهمين إياهم بالتقصير تارة في إعطاء المادة حقها، والأخطر في تعمد رسوبهم، وغيرها من التهم المعلبة، وهم في كل الأحوال يبتعدون عن الموضوعية في ذلك، وعن محاولة الوقوف مع أنفسهم وقفة صادقة رغبة في الوصول إلى الأسباب الحقيقة لرسوبهم والتي لو فعلها الكثير منهم لتوصل إلى حقيقة بسيطة جداً تنبئ بأن السبب الحقيقي يعود في المقام الأول إلى تقصيرهم وعدم إعطائهم المادة حقها من الدراسة والمتابعة.

ولعلي هنا أسوق أمثلة تظهر مدى ما وصل إليه طلبتنا الجامعيون في تعاطيهم مع وقع رسوبهم في بعض المواد. ما إن قمت بإظهار نتيجة إحدى المواد التي درستها في الفصل الماضي إلا ووصلني في اليوم التالي رسالة مرسلة لبريدي الإلكتروني من أحد الطلاب يتهمني فيها بالعنصرية البغيضة والتحيز لأبناء منطقة ما دون سواها، فما كان مني في محاولة لرد الشك باليقين إلا أن قمت بمراجعة سجل الطالب خشية أن أكون قد ظلمته، ووجدت أنه بناء على توزيعي لدرجات أعمال الفصل لم يحصل على درجة جيدة في الحضور لكثرة غيابه، والأمر كذلك في الجزء المخصص للمشاركة إذ لم تكن مشاركته فعالة داخل قاعة المحاضرة، ولم يقم بأخذ أحد الاختبارات الفصلية - مع تفهمي لعذره وإعطائه فرصة لأخذه لاحقاً، ولكنه مع ذلك لم يفعل - ووجدته كذلك لم يقم بتسليم أحد الواجبات، وفي الآخر لم يؤديه بالشكل المطلوب، وكذلك قمت من باب الاطمئنان بالرجوع لورقة الامتحان النهائي ووجدتني قد كتبت لنفسي ملاحظة بأن الورقة تمت مراجعتها 3 مرات، لكن لم تكن الإجابات كافية لتجاوز الامتحان. وفي نفس السياق ومن ورغبة في درء الشك باليقين عدت لقائمة الأسماء التي بنى عليها اتهامه لي بالعنصرية فوجدت أن أكثر الراسبين والحاصلين على درجات متدينة هم من أبناء تلك المنطقة التي ذكر أنني متحيز لها. والأدهى والأمر أنه تمادى في اتهامه وأرسل لي الرسالة التالية الأخرى التي أترك الحكم فيها للقارئ: (اللهم إنا نشكو إليك خالد الصغير فإنه لا يعجزك يا جبار السموات والأرض، اللهم أحزنه كما أحزننا، وآسفه كما آسفنا، اللهم اقصم ظهره، وأجعل كيده في نحره، ولا تمهله بين يومه وأمسه، اللهم اقطع صلبه، ويتم طفله، ورمل زوجته، ولا تجعل له عيشاً هنيئاً يا حي يا قيوم، اللهم اجعل معيشته ضنكاً، ومماته راحة لنا. اللهم وأنزل عليه أشد العذاب في الدنيا والآخرة، واحشره يوم القيامة مع فرعون، واتباعه، وألعنه لعناً كبيراً بقوتك يا قادر يا كريم آمين آمين آمين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.. أرسلها إلى عشرة إيميلات جزاك الله خير، ولا تنسى الدعاء عليه أدبار الصلوات والثلث الأخير من الليل).

ومثال آخر وقع لزميل صادف أن قام بتدريس طالب شارك في برنامج جماهيري تلفزيوني تقوم ببثه إحدى القنوات الفضائية من إحدى الدول الخليجية والذي يلقى صدى ومتابعة من قبل نسبة كبيرة من أبناء المجتمع، فما إن ظهرت نتيجته وإلا واستغل ما حباه الله به من موهبة ليكيل السب والشتم الذي يندى له جبين، ولا يعبر أبداً عن شيم الرجال في قالب أدبي لأستاذه الذي قام بتعليمه، وكان بإمكانه عوضاً عن ذلك سلك القنوات الرسمية المعتادة ليأخذ حقه كاملاً غير منقوص إن كان هناك تقصيراً من قبل أستاذه بدلاً من توظيف موهبته الأدبية في مهاترات لا جدوى من ورائها.

والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان الحال بهذه الشاكلة فهل من وسيلة يمكن القيام بها لمساعدة طلبتنا التخلص من هذا السلوك التربوي غير المحبب؟ والجواب على ذلك يكمن في مد شبابنا وفتياتنا الجامعيين ببعض المهارات التي تمكنهم من قبول الحق ولو على أنفسهم، وحثهم على القيام بمحاسبة أنفسهم أولاً قبل القيام بإلقاء اللوم على الآخرين، والتعامل الموضوع حين مرورهم في حياتهم بمحاطات إخفاق هنا وهناك، وكذلك تدريبهم على كيفية التخلص من مشاعر إنكار الواقع، والغضب، وإلقاء اللوم على الآخرين.

والحديث عن هذا السلوك التربوي المتنامي يوماً بعد آخر يقود إلى مناقشة قضية ذات صلة مباشرة فيه، وبخاصة بعد أن أضحى ارتفاع نسبة الرسوب وتدني النجاح في المرحلة الجامعية قضية لافتة للانتباه في محيط التعليم الجامعي لدينا. ولذا نحن بحاجة إلى البحث عن إجابة شافية يمكن من خلالها تلمس أسباب حدة ارتفاع نسبة الرسوب لدى قطاع عريض من الطلبة الجامعيين. فهل ذلك مرده الطالب نفسه؟ أو أن للأستاذ نصيباً في شيوع وتنامي النسبة؟ أم أن للظروف المحيطة دوراً في ذلك؟

لا شك أن للطالب دوراً بارزاً وذلك من خلال ممارسته لجملة من السلوكيات التربوية السلبية التي منها إبداء قدر ضعيف من الجدية والدافعية، والاشتغال بأمور أخرى على حساب التحصيل العلمي، وكذلك تأخير مذاكرة المادة العلمية إلى قبيل فترة الامتحانات، ويمكن إرجاع ذلك أيضاً إلى أن الطالب أحياناً بسبب التشابه وتداخل الموضوعات يقوم بالإجابة عن السؤال المطلوب بالكتابة عن موضوع آخر غير ما سأل عنه الأستاذ في الاختبار. وإلى جانب ذلك نجد أن الطالب لا يقوم بالمذاكرة بشكل كاف يتيح له فرصة اجتياز الامتحان بنجاح، ونجده في أحيان يقوم بمذاكرة مواضيع بعينها ظناً منه أن أسئلة الامتحان ستقتصر عليها. والسرعة في المذاكرة وتأجيلها إلى ليلة الاختبار تؤدي بدورها إلى خلط الطالب بين الموضوعات وجزئياتها ذات العلاقة، كما أن عدداً كبيراً من الطلاب يعوزه القدرة على الإجابة العلمية المحددة ولذا اتجه يعمد إلى الإجابة التي هي أقرب إلى التعبير العام منها إلى الإجابة العلمية المحددة.

والقول بذلك لا يعني أن السبب في ذلك يقتصر على الطالب، وإنما للأستاذ دور في ذلك من خلال إخفاقه في وضع طريقة مناسبة لتقويم طلابه عمدها الأسس والمعايير العلمية للتقويم، وعدم وجود توازن في أسئلة الاختبار بين السهولة، والتوسط والصعوبة، ولنقص عنصر الشمولية في امتحاناته بحيث تتركز على جزء محدود من موضوعات المنهج، وأيضاً لخلوها من التنوع بحيث تقتصر على نوع واحد من الأسئلة، وكذلك لإخفاقه في وضع توزيع عادل متوازن لدرجات أسئلة الاختبار، وكذلك لدقته وحرفيته المبالغ فيها عند التصحيح.

وبجانب مساهمة الأستاذ والطالب يأتي دور الظروف الخارجية المحيطة التي فاقمت من نسبة الرسول وتدني النجاح في المرحلة الجامعية ومن أبرزها تغيير أسلوب التعليم، وقياس التحصيل بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي مما يربك بعض الطلاب، ويفقدهم التوازن، وبخاصة في السنة الأولى من دراستهم الجامعية، وعدم فعالية مراكز الإرشاد الأكاديمي وتدخلها في الوقت المناسب لمعاجلة ما قد يعتري الطالب أو الطالبة من مشاكل، وكذلك التحول النوعي بين بيئة التعليم العام الدراسية والجامعية، والحرية التي تمنحها الجامعة للطلبة لتكوين صداقات بعيدة لا تخضع للإشراف العائلي المباشر والتي تعمل على صرفهم عن التحصيل العلمي بشكل سليم.

ويعد النظر في أسباب تفشي ظاهرة الرسوب في التعليم الجامعي نحن أمام مسؤولية وضع حلول عملية واقعية لتحجيم هذه الظاهرة وذلك من خلال القيام ببعض الإجراءات التي منها ضرورة التركيز على الطالب الجامعي، وبخاصة المستجدين منهم عن طريق تفعيل برامج الإرشاد الأكاديمي والمتابعة المستمرة التي يمكن من خلالها معالجة مشكلات الطلاب، وإرشادهم إلى الأساليب الناجعة في التعلم والتحصيل، وإيجاد قنوات لمتابعة مسيرتهم التعليمية الجامعية عن قرب، ومحاسبة الأساتذة المقصرين منهم، وإيجاد أنظمة مرنة تحكمها لوائح مهنية علمية واضحة تخدم الطلاب وأساتذتهم وإيجاد مجالس للطلاب والطالبات يمكن أن تناقش وتنظر في جميع ما يعترض مسيرة العملية في الحرم الجامعي.



alseghayer@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد