Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/03/2009 G Issue 13303
الأحد 04 ربيع الأول 1430   العدد  13303
نوافذ
هل كانت حادثة طارئة؟
أميمة الخميس

 

حادثة قذف القلم في وجه إحدى المعلمات من قِبل المشرفة التربوية، التي نشرتها إحدى الصحف ضمن تفاصيل متعددة لمشادة طويلة في قطاع التدريس بين (78) من منسوبات التعليم أتمنى أن لا تُطوى أوراقها وتندرج بين ملفات النسيان، بل أتمنى أن تجد طريقها للنقاش والتحليل عبر العديد من المستويات، أولها فوق منبر المؤتمر الدولي للعنف الذي سيُقام الأسبوع القادم في الرياض، وذلك تحت بند العنف المدرسي.

والحادثة تبدو محمَّلة بالمؤشرات السلبية عن قطاع بات بحاجة إلى حملات إسعافية عاجلة، فلا أعتقد بأن الحالة هي عارضية وناشزة، فالسباب والشتائم والملاسنة التي أشار لها الخبر, قد تكون إحدى الحِمم التي وصلت إلى الإعلام لبركان يغلي في الأسفل.

عندما كنت أعمل في قطاع التدريس كان العنف يتداخل مع النسيج العام في البيئة المدرسية، حتى ننسى وقتها أن نرفضه أو ننفر منه، هو يبدأ من مراحل باكرة في الساحات صباحاً عندما تبدأ المراقبة بالصراخ وتقريع الطالبات لإدخالهن الفصول، أو في الترصد بأرديتهن وأحذيتهن وتفتيش حقائبهن في الطوابير، وعندما يدخلن الفصول تتولاهن المعلمة بشبكة من حبال المنهج الذي يربط عقولهن ويعيقها عن التفكر والتدبر, المعلمة نفسها التي تكون قد قمعت بشكل تراتبي من المديرة، والمديرة بدورها تكون الموجهة، أو من يسمونها المشرفة التربوية قد زارتها لتبث تعاليمها وتنشر تعاميمها في مدرستها على الغالب بشكل فوقي استفزازي لا يمت بصلة للإشراف أو التربية.

بالطبع يتم هذا داخل بيئة مدرسية فاقدة لأبسط مقومات الجودة النوعية على مستوى البنية التحتية والمباني، وأنا هنا لا أتحدث من فراغ أو من خلال (العنعنة) فأذكر إحدى المدارس التي سبق أن درَّست بها كانت مستأجرة ضيقة، وتزدحم الفصول بالطالبات بحيث لم أكن أستطيع المرور بين مقاعد الطالبات ومتابعة أدائهن، يستعمل المطبخ فيها كغرفة للرسم، بينما غرفة الأشغال كانت تقبع في غرفة الغسيل على السطح، أما عن النظافة والصيانة فيها فكان الوضع موجعاً مقززاً.

بالطبع منسوبات المدرسة اللواتي يكتشفن بأنهن داخل هذه البيئة، وبين أيديهن مجموعة من الكتب والمناهج القديمة البائتة، التي لا بد أن يجرعنها الطالبات كل صباح بأوعية قديمة لطالما تغصصنها هنّ أنفسهن عندما كنّ على مقاعد الدراسة، لن يشعرن بولاء أو انتماء لمحيطهن على الإطلاق.. إضافة إلى اختفاء الجو الإيجابي المستحث داخل المدرسة وغياب الأنشطة الطلابية اللا صفية الجيدة والمثمرة والقادرة على احتواء حيوية الطالبات في مختلف المراحل الدراسية التي كان من الممكن أن تستثمر نشاط الطالبات بالمفيد والإيجابي.

أيضا تدني المحفزات الوظيفية لكادر التدريس (حتى على مستوى التأهيل والتدريب) كي تبدع وتتألق، لكن على الجانب الآخر هناك كم وافر من التضييق والمحاسبة ينتج عنه دوماً معدلات التغيب العالية بين المعلمات أو الضيق واللا مبالاة ومستويات أداء متدنية.

ما سبق هو غيض من فيض المعاناة الميدانية.

لذا هل ندهش من الجو المشحون والمتوتر والمحتقن بالانفعالات السلبية القابلة للانفجار تحت أي ضغط مفاجئ؟

بعد كل هذا هل يفزعنا تدني التربوي والتعليمي داخل المدارس على حساب العنيف والمتشنج؟ تفجر هذه النوعية من الحوادث هي أحد الأعراض الجانبية لمرض الجسد الكبير.

هذه الحوادث هي صافرة إنذار مرتفعة داخل ميدان يحتاج إلى حملات إسعافية عاجلة تبتدئ بالمباني المدرسية، وتنتهي بترسيخ قيم التربية والتعليم في أماكن من المفترض أن تكون أحد أبرز مصانع القيم الإيجابية في المجتمع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد