Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/03/2009 G Issue 13305
الثلاثاء 06 ربيع الأول 1430   العدد  13305
الحبر الأخضر
بدل الندرة وميلاد طبقية أكاديمية جديدة
د. عثمان بن صالح العامر

 

الأصل في المجتمع الأكاديمي، أنه مجتمع متجانس متكامل يسوده الود، ويحكمه التعارف والتآلف، ويربط بين أعضائه التعاون والتكاتف، ويصبغه التنافس الشريف والعمل يداً بيد لمصلحة هذا الكيان التعليمي المؤثر والهام، ومن ثم تتحقق في دائرة أوسع مصلحة الوطن الذي نشرف جميعاً بالانتماء له .. وتختلف المراتب وتتباين الرواتب ويتفاضل الأعضاء حسب البذل والجهد والعطاء (البحث العلمي ، العبء التدريسي، خدمة المجتمع) ، كلٌ في تخصصه الذي اختاره وبرز فيه، وكان له فيه قدم صدق وثمرة خير على الروح أو العقل أو الجسد، وإن كان العرض والطلب ( السوق ) يؤثر وبشكل مباشر على سعر السلعة، فإنّ هذه الآلية المعروفة لا علاقة لها في الأساس بالوسط الأكاديمي الذي يفترض فيه أن يكون بمنأى عن تقلبات السوق، وفيه من الشمولية والتكامل ما يجعله قاعدة وطنية صلبة لكل التوجهات والاهتمامات والمشارب والتخصصات الأكاديمية ، والسبب بسيط ومعقول، وهو أنّ الوطن كان وما زال وسيظل بحاجة إلى كل الكوادر الأكاديمية، وفي مختلف التخصصات الإنسانية والتطبيقية ، فالمعيد في جامعاتنا السعودية أياً كان، سواء في الطب أو الهندسة أو الأدب أو الفقه، لا يتم توظيفه إلاّ حسب الحاجة وبناءً على المنفعة المتوخاة من وجوده في هذا القسم أو ذاك، ووزارة الخدمة المدنية تقر من الوظائف حسب الحاجة المتوقعة وبناءً على إستراتيجية وطنية مقرة سلفاً، ووزارة التعليم العالي تقوم بتوزيع هذه الوظائف على الجامعات السعودية بناءً على الاحتياج الحقيقي، والجامعات في مرحلة ثالثة تعلن عن حاجتها لشغل وظيفة (معيد) حسب التخصص المرغوب، وهكذا حتى يتم تسديد الاحتياج، ومتى تعذر ذلك يُلجأ إلى التعاقد المؤقت والذي يتوقع أن يزول أو على الأقل يقل مع عودة الدفع الأولى من المبتعثين ضمن برنامج (الملك عبد الله للتدريب والابتعاث) ،، ومع إقرار بدل الندرة وحصره في تخصصات علمية بعينها، كثرت علامات الاستفهام والتعجب !! فهو ? كما يقول عنه الأكاديميون أصحاب التخصصات الشرعية - يعني إقصاء شريحة مؤثرة على مستقبل التعليم العالي من هذا البدل، بل حرمان جامعات معروفة ومهمة للعالم الإسلامي بأسره من هذه الزيادة ذات البعد الدلالي الهام!!، ومما يتردد على ألسنة البعض في أروقة الجامعات اليوم بل وحتى خارجها، أنه لا وجود لدى صنّاع القرار لمعيارية ثابتة يتم بها تحديد ما هو نادر سواء ندرة مطلقة أو نسبية،، ففي كليات البنات مثلاً وفي الجامعات الناشئة على وجه الخصوص، يعرف الجميع أنّ الندرة في كل التخصصات بلا استثناء، ومع ذلك لم يقر لهن ( بدل ندره)، وفي علم الفرائض والفقه المقارن وأصول الفقه والمذاهب المعاصرة والثقافة الإسلامية والنقد الأدبي والاقتصاد الإسلامي و... ندرة، ومع ذلك هي في نظر المشرع المجتهد ليست تخصصات نادرة ولم يقر لها حتى الآن أي بدل يذكر!!، لقد أبدى جمع من الأكاديميين عبر الصحف وفي المنتديات واللقاءات الأكاديمية تذمرهم حين إعلان هذا البدل وتخوفهم من نتائجه السلبية ، وبعد معرفة التفاصيل ازداد التذمر وكثر الكلام وبدت تظهر بوادر الطبقية والتحاسد في الوسط الأكاديمي ، بل تطور الأمر إلى قراءة الآثار المترتبة على مثل هذه القرارات، سواء داخل أروقة الجامعة أو في المجتمع المحلي وربما وصل الأمر إلى علاقاتنا بالعالم الخارجي الذي يقدِّر ويجل الأكاديميين المتخصصين في العلوم الشرعية واللغة العربية القادمين من المملكة العربية السعودية، لقناعته أولاً بتميزهم ولأنهم قادمون من جامعات تجلّهم وتقدّرهم وتمنحهم حقوقهم، بل تمنحهم شيئاً من الخصوصية، فهي بلد الحرمين الشريفين ومنبع الرسالة الخالدة وقبلة الباحثين عن المنهج الإسلامي الوسطي الصحيح،، إنّ السوق الذي يحكم الحاجة لعضو هيئة التدريس هو غير السوق الذي يتكلم عنه أهل المال والاقتصاد!!، نعم لتطوير مهارات عضو هيئة التدريس أياً كان تخصصه، وإكسابه آلية التعامل والفهم الصحيح لمعطيات العاصر، إن كان هناك قناعة لدى صاحب القرار بأنه يفتقد لذلك، ولكن هذه البدلات التي قد تُولد الطبقية ذات الأثر السلبي على مسار العمل المتكامل والشامل في الجامعات السعودية، تحتاج في نظر من تحدثوا معي على الأقل، إلى قراءة متأنية قبل أن تقر بصورتها النهائية .. إن الكثير من الأكاديميين يناشدون اللجان المختصة والمكلفة من قِبل ولي الأمر لسبر أغوار الموضوع وقراءته قراءة موسعة ومعرفة الأبعاد المعنوية قبل المادية المترتبة على إقرار هذا النوع من البدلات، فاستبعاد بعض الحقول المعرفية يُشعر أصحابها بالدونية ويؤثر على عطائهم العلمي والثقافي، وينعكس ذلك - بدون شك - على الطلاب والدارسين والبحث العلمي المتخصص، بل على روح الانتماء للوسط الجامعي الذي يعيشون فيه، وفي المقابل قد يتولّد شعور بالتعالي عند من يصرف لهم هذا البدل، وهذه طبيعة النفس البشرية حتى ولو بلغت ذروتها في سلم العلم والمعرفة (والمصلحة الأكاديمية والوطنية العامة هي الهدف وهي التي تحدد مسار تفكير صاحب القرار وتوجهاته، ومنها البداية وعندها نقطة النهاية والحل، المقترح كما هو يتردد كثيراً هذه الأيام ) إلغاء فكرة بدل ندرة التخصص ومنح الجميع زيادة ثابتة في الراتب على اعتبار أنّ ندرة أعضاء هيئة التدريس عامة وشاملة، (حيث إن من المعروف سلفاً بأنّ غالبية رسائل الدكتوراه يجب أن تمتاز بالأصالة وهي مرادفة لكلمة الندرة في موضوع وسؤال البحث) ، الأمل عند الكثير كبير والتفاؤل عظيم بأن يكون الجواب من صاحب القرار (ما تراه لا ما تسمعه) ودمت عزيزاً يا وطني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد