Al Jazirah NewsPaper Wednesday  04/03/2009 G Issue 13306
الاربعاء 07 ربيع الأول 1430   العدد  13306
2010 عام تضميد جراح الاقتصاد العالمي
محمد سليمان العنقري

 

أزمة العالم الاقتصادية بدأت ملامحها الخطيرة في العام 2008 وتحديدا بنصفه الثاني لندخل العام 2009 بواقع وحيد أمامنا وهو كشف الحقائق ليس فقط عن انهيار شركات أو تصدع اقتصاديات عظمى؛ فهذه كلها أصبحت واقعا يوميا نعيشه، بل المنتظر رؤية ملامح الخارطة الاقتصادية القادمة للعالم فوول ستريت أمست وكأنها تعيش خريف العمر والشركات كالأوراق تتساقط يوميا منها أما الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، فحدث ولا حرج عن تفاقم بمعدلات البطالة وتوقعات بعجز الميزانيات بأرقام فلكية فأمريكا أعلنت عن توقعات بعجز يصل إلى 1750 مليار دولار بعام 2009 الحالي، وهو يعادل ثلث ما باعته دول الخليج من النفط منذ أن استخرجت أول قطرة قبل قرابة80 عاما ويفوق ميزانيات القارة الإفريقية بقرابة الضعف لعام واحد، وما زالت توقعات المسئولين والاقتصاديين الأمريكيين تنبئ بالتشاؤم المفرط فشركة AIG عملاق التأمين الذي انهار ليصبح قزما تعلن عن خسارة فصلية فاقت62 مليار دولار ما يوازي نصف ميزانية المملكة للعام الحالي، بل إن ما تعلنه المصارف الأمريكية وشركات صناعة السيارات من خسائر بالمليارات افقد المليار هيبته كرقم، ويساعد على هذه الصورة حجم المبالغ التي تضخها الحكومات لمساعدة تلك الشركات والاقتصاد بشكل عام، ولكن في خضم كل هذه الأحداث وهول الأزمة التي لم يفلح حتى اعتى المستثمرين وأكثرهم حذرا وارن بافيت من الإفلات منها واعترف بقرارات غبية اتخذها نتيجة سوء تقديره لحجمها باعترافه قبل أيام، تبرز الحاجة للحديث عن المستقبل أكثر من أي وقت مضى؛ فالخطط الدؤوبة والموازية والمواكبة لتطورات الأزمة تهدف ليس للإنقاذ، بل لتطهير الجراح العميقة التي خلفتها بجسد الاقتصاديات العملاقة، وعلى رأسها أمريكا، وبالتالي إن العمليات الجراحية لاستئصال هذه الدمامل والتورمات الكبيرة الضارة بدأت بالفعل، وأولى الخطوات انطلقت من خلال تحديد ملامح خطة الإنقاذ وحجمها ومراحل العلاج، ومن أين يبدأ؛ حيث انطلق من لب المشكلة قطاع المصارف وهو يتدرج إلى كل جوانب الاقتصاد ووحداته الفاعلة مع توقع المزيد من الصعاب في الطريق، لكن وعلى ما يبدو بشكل واضح إن العام القادم 2010 سيكون لتضميد هذه الجراح بعد تعقيمها جيدا لتبدأ أولى مراحل الشفاء الحقيقية من خلال إنفاق حكومي واسع وتعزيز لآلية تنظيم الأسواق وتنظيفها جيدا من كل المشتقات الوبائية وفرض رقابة صارمة على آلية عمل القطاع المصرفي بدلا من الفلتان والفوضى السابقة وتعزيز سوق الائتمان من جديد وتوجيهه نحو الاقتصاد الحقيقي لتنشيط حركة العجلة الاقتصادية وفتح الفرص الوظيفية التي وعدت بها الحكومات شعوبها وعودة النشاط الطبيعي لأعضاء الجسد الاقتصادي مما يؤدي إلى عودة الاستقرار الاجتماعي بشكل عام.

إن العلاج بدأ فعليا والعام القادم لن نسمع عن انهيارات ومصائب؛ فالجروح تكون قد غطيت ورممت أنسجتها بشكل جيد وفي بقية العالم الذي أصيب بجروح سطحية كالصين ودول الخليج لن يكون الأمر مكلفا كثيرا، فلن يمنعنا ذلك من السير قدما بخطط التنمية؛ فالمراهم موجودة متمثلة باحتياطات ضخمة تسكن اكبر الآلام، فما بالنا إذا كانت خدوشا بسيطة لا تعيق حركتنا عن التقدم ولكن: هل نفكر بأسلوب الاقتناص للفرصة الكبيرة المتوفرة لتحقيق نمو قوي وبسط سيطرة عالمية لصناعات البتروكيماويات وتوابعها وجذب ونقل استثمارات تتعلق بها لمنطقتنا؛ فالآن مع العولمة أصبحت هوية المستثمر هو المكان الذي يلقى فيه رعاية وآمانا وميزات لا تتوافر بمكان آخر، ومن يعرف كيف يستغل الأزمة سيكون الرابح الأكبر، وسيضع لنفسه مكانة قوية بالتأثير على جوانب مختلفة بالاقتصاد العالمي؛ فهل سنسمع بان اسم الجبيل أو غيرها من المدن الصناعية يتردد عالميا مثل ما ينظر لوادي السيلكون موطن التكنولوجيا أو ديترويت معقل صناعة السيارات الذي أصبح معتقلا لها؟ يبقى لتحقيق ذلك القدرة على الرؤية والعمل الجاد على التنفيذ؛ فالفرص كالسحاب، من لا يستغلها لا تعود له ثانية بسهولة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد